وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي، بَلْ يُحلَّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَالُوا: إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ يَخْتَارُ الإِمَامُ خَمْسِينَ رَجُلا مِنْ صُلَحَاءِ أَهْلِهَا، وَيُحَلِّفُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ: مَا قَتَلُوهُ، وَلا عَرَفُوا لَهُ قَاتِلا، ثُمَّ يَأْخُذُ الدِّيَةَ مِنْ أَصْحَابِ الْخِطَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا، فَمِنْ سُكَّانِهَا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأُصُولِ الْيَمِينُ مَعَ الْغَرَامَةِ، وَإِنَّمَا جَاءَتِ الْيَمِينُ فِي الْبَرَاءَةِ أَوِ الاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، أَوْ يَحْكُمُ فِي الْمَالِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَسَامَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهَا، لِقَوْلِهِ: «تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ».
رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ، هَذَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَوَثٌ، وَنَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْيَمِينِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي، وَيَسْتَحِقُّ الْقَوَدَ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الْقَوَدُ، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقَ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: «دَمَ صَاحِبِكُمْ» أَيْ: دِيَتُهُ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ: «إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ»، أَمَّا إِذَا ادَّعَى قَتْلَ خَطَإٍ، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَحَلَفَ، فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَانَ الْحَكَمُ لَا يَرَى الْقَسَامَةَ شَيْئًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute