قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلا بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى الْمَقْذُوفِ، فَيُخْبِرُهُ بِهِ، لَا لِطَلَبِ إِقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: ١٢]، وَلأَنَّ الأَوْلَى بِمَنْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِمَّا يُوجِبُ حَدَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَكِنْ لِيُطْلِعَهُ عَلَى أَنَّ فُلانًا قَدْ قَذَفَهُ، وَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَرِفًا بِالزِّنَا، طَلَبَ حَقَّهُ مِنَ الْحَدِّ، وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَيْسًا إِلَى امْرَأَةِ الرَّجُلِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنِ الْقَاذِفُ مُعَيِّنًا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّ فُلانًا زَنَى، فَلا يَبْعَثُ الإِمَامُ إِلَيْهِ، وَلا يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ اخْتِيَارًا لِلسَّتْرِ، وَاحْتِرَازًا عَنْ تَتَبُّعِ الْعَوْرَاتِ، وَفِي حِفْظِ السَّتْرِ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهُ هَزَّالٌ: «يَا هَزَّالُ، لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ».
قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ وَلَدَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يحدهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ ابْنِي زَنَى بِامْرَأَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute