وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ مَا هَرَبَ: «هَلا تَرَكْتُمُوهُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: مَا زَنَيْتُ، أَوْ كَذَبْتُ، أَوْ رَجَعْتُ، سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ، وَإِذَا رَجَعَ فِي خِلالِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، سَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَكَذَلِكَ السَّارِقُ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ إِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ، تَسْقُطُ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالرُّجُوعِ عَنِ الإِقْرَارِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو ثَوْرٍ، قَالُوا: وَلَوْ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ لَصَارَ مَقْتُولا خَطَأً، وَلَوَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ.
قَالَ الإِمَامُ: إِنَّمَا لَمْ تَجِبِ الدِّيَةُ، لأَنَّ مَاعِزًا لَمْ يَكُنْ رَجَعَ صَرِيحًا، لَكِنَّهُ هَرَبَ، وَبِالْهَرَبِ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ» أَيْ: لِنَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ، وَنَسْتَثْبِتَ الْمَعْنَى الَّذِي هَرَبَ مِنْ أَجْلِهِ، أَنَّهُ هَرَبَ رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ، أَمْ فِرَارًا مِنْ أَلَمِ الْحِجَارَةِ؟ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ».
٢٥٨٦ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute