وَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، قَالَ: «بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ، وَأَنَا فِئَتُكُمْ».
قَالَ أبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَقَالَ زُهَيْرٌ عَنْ يَزِيدَ، قَالَ: «لَا بلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ» قَالَ: فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ، فَقَالَ: «أَنا فِئةُ المُسْلِمين»
وقوْله: «فَحَاص»، أَي: حاد عنْ طَرِيقه، وَعدل عنْ وَجهه إِلى جِهَة أُخْرَى، وقوْله: «أنْتُمُ العكّارُون»، يُرِيد العائدون إِلى الْقِتَال والكرّارون، يُقال: عكرتُ على الشَّيْء: إِذا عطفت عليْهِ وانصرفت إِليْهِ.
وقوْله: «وَأَنا فِئتُكُمْ»، يمهدِّ بِذلِك عذرهمْ، وذلِك أَن الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى حرّم التولِّي عنِ الزَّحْف إِلَّا متحرفًا لقِتَال، أوْ متحيزًا إِلى فِئَة، وَكَانَ فِي ابْتِدَاء الإِسْلام يجب على الْمُسْلِمِين مصابرةُ الْعَدو إِذا كَانَ بِمُقَابلَة كُل مُسْلِم عشرَة من الْمُشْركين، كَمَا قَالَ جلّ ذكرهُ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الْأَنْفَال: ٦٥]، ثُمّ خفف الله عَنْهُم، فَأوجب المصابرة إِذا كَانَ بِإِزَاءِ كُل مُسْلِم مُشْرِكَانِ فَأَقل، فَقَالَ جلّ جَلَاله وعظُم كبرياؤه: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الْأَنْفَال: ٦٦].
قَالَ ابْن عبّاس:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute