ورُوِي عنْ حبيب بْن مسلمة الفِهري، قَالَ: شهِدْتُ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نفّل الرّبْع فِي البداءةِ، والثّلُث فِي الرّجْعةِ».
قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: البداء إِنّما هِي ابْتِدَاء سفر الْغَزْو، وإِذا نهضت سَرِيَّة من جملَة الْعَسْكَر فأوقعت بطَائفَة من الْعَدو، فَمَا غنموا كلهم لهُمْ مِنْهَا الرّبع، ويشركهم سَائِر الْعَسْكَر فِي ثَلَاثَة أَرْبَاعه، فإِن قَفَلُوا من الْغَزْو، ثُمّ رجعُوا، فأوقعوا بالعدو ثَانِيَة، كَانَ لهُمْ مِمَّا غنموا الثُّلُث، لِأَن نهوضهم بعد القفل أشقُّ، والخطر فِيهِ أعْظم.
قَالَ الإِمامُ: أَشَارَ إِلى أَن تَخْصِيص بعْض الْجَيْش بِالثُّلثِ وَالرّبع لنهوضهم إِلى ملاقاة الْعَدو من بيْن سَائِر الْقَوْم جَائِز، ثُمّ تَخْصِيص إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ من الناهضين بِالزِّيَادَةِ، لزِيَادَة خطرهم ومشقتهم.
واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي إِعْطَاء النَّفْل، وَأَنه من أَيْن يعْطى، فحُكي عنْ مالِك أنّهُ كَانَ يكره أَن يقُول الإِمام: من قتل فلَانا، أوْ قَاتل فِي مَوضِع كَذَا، فَلهُ كَذَا، أوْ يبْعَث سَرِيَّة من الْعَسْكَر فِي وَجه على أَن مَا غنموا، فَلهم نصفه، وَجوزهُ الْآخرُونَ، وأثبتوا بِهِ النَّفْل، وإِليْهِ ذهب الثّوْرِي، وَالْأَوْزَاعِيّ، والشّافِعِي وأحْمد، وَاخْتلفُوا فِي أَن النَّفْل من أَيْن يعْطى، فَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ من خمس الْخمس سهم النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهُو قوْل سعِيد بْن الْمُسيِّبِ، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي، وَأَبُو عُبيْد، وقالُوا: «كَانَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيِهم مِنْ ذلِك».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute