هَامَةٌ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ ذَلِكَ الصَّدَى، وَمِنْ ذَلِكَ تَطَيُّرُ الْعَامَّةِ بِصَوْتِ الْهَامَةِ، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: «وَلا صَفَرَ» مَعْنَاهُ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ: الصَّفَرُ حَيَّةٌ تَكُونُ فِي الْبَطْنِ تُصِيبُ الإِنْسَانَ وَالْمَاشِيَةَ، تُؤْذِيهِ إِذَا جَاعَ، وَهِيَ أَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ أَنَّهَا تَعْدِي، وَقِيلَ فِي الصَّفَرِ: إِنَّهُ تَأْخِيرُهُمْ تَحْرِيمَ الْمُحْرِمِ إِلَى صَفَرٍ، وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَشْئِمُونَ بِصَفَرٍ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» قَالَ الإِمَامُ: لَعَلَّهُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»، وَقِيلَ: هُوَ رُخْصَةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْتَنِبَ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الطَّاعُونِ: «إِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ فَلا تُقَدِّمُوا عَلَيْهِ»، فَمَنْ لَمْ يَحْتَرِزْ عَنْهُ مُتَوَكِّلا، فَحَسَنٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، «أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ».
وَقِيلَ: إِنَّ الْجُذَامَ عِلَّةٌ لَهَا رَائِحَةٌ تُسْقِمُ مَنْ أَطَالَ مُجَالَسَةِ صَاحِبِهَا، وَمُؤَاكَلَتِهِ، لاشْتِمَامِ تِلْكَ الرَّائِحَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُضَاجِعُ الْمَجْذُومَ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، فَرُبَّمَا تُجْذَمُ مِنَ الأَذَى الَّذِي يُصِيبُهَا، وَقَدْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي النَّسْلِ، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ الْجَرِبُ يُخَالِطُ الإِبِلَ وَيُحَاكُّهَا، فَيَصِلُ إِلَيْهَا بَعْضُ مَا يَسِيلُ مِنْ جَرَبِهِ، فَيَظْهَرُ عَلَيْهَا أَثَرٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْوَى، بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ الطِّبِّ، كَمَا أَنَّ أَكْلَ مَا يُعَافِهِ الإِنْسَانُ، وَاشْتِمَامَ مَا يَكْرَهُ رِيحَهُ، وَالْمَقَامَ فِي بَلَدٍ لَا يُوَافِقُ هَوَاهُ طَبْعُهُ يَضُرُّهُ، وَمَا يُوَافِقُهُ يَنْفَعُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute