مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَوله: «مِن كَلَام النُّبُوَّة الأولى»، مَعْنَاهُ: اتِّفَاق كلمة الْأَنْبِيَاء صلوَات اللَّه عَلَيْهِم عَلَى اسْتِحْسَان الْحيَاء، فَمَا مِن نَبِي إِلَّا ندب إِلَيْهِ، وَبعث عَلَيْهِ.
وَقَوله: «فافعل مَا شِئْت»، فِيهِ أقاويل، أَحدهَا: أَن مَعْنَاهُ معنى الْخَبَر، وَإِن كَانَ لَفظه لفظ الْأَمر، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذا لم يمنعك الْحيَاء، فعلت مَا شِئْت مِمَّا تدعوك إِلَيْهِ نَفسك مِن الْقَبِيح، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى ذهب أَبِو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلام، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يَحْيَى: مَعْنَاهُ الْوَعيد، كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠]، أَي: اصْنَع مَا شِئْت، فَإِن اللَّه مجازيك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيّ: مَعْنَاهُ: أَن تنظر إِلَى مَا تُرِيدُ أَن تَفْعَلهُ، فَإِن كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يستحيا مِنْهُ، فافعله، وَإِن كَانَ مِمَّا يستحيا مِنْهُ، فَدَعْهُ، وَالله أعلم.
وروى هَذَا الحَدِيث جرير، عَن مَنْصُور، بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ جرير: مَعْنَاهُ: أَن يُرِيد الرجل أَن يعْمل الْخَيْر، فيدعه حَيَاء من النَّاس، كَأَنَّهُ يخَاف مَذْهَب الرِّيَاء، يَقُول: فَلَا يمنعك الْحيَاء من الْمُضِيّ لما أردْت.
قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ شَبيه بِالْحَدِيثِ الآخر: " إِذا جَاءَك الشَّيْطَان وَأَنت تصلي، فقَالَ: إِنَّك ترائي فزدها طولا ".
وَكَذَلِكَ قَالَ الْحسن:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute