بعث بِالسَّيْفِ؟ قيل: هُوَ مَبْعُوث بِالرَّحْمَةِ كَمَا ذكر، وكما أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَذَلِكَ أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وأيدهم بالمعجزات، فَمن أنكر من تِلْكَ الْأُمَم الْحق بعد الْحجَّة والمعجزة عذبُوا بِالْهَلَاكِ والاستئصال، وَلَكِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمر نبيه عَلَيْهِ السَّلَام بِالْجِهَادِ مَعَهم بِالسَّيْفِ، ليرتدعوا عَن الْكفْر، وَلم يجتاحوا بِالسَّيْفِ، فَإِن للسيف بَقِيَّة، وَلَيْسَ مَعَ الْعَذَاب الْمنزل بَقِيَّة، وَقد رُوِيَ أَن قوما من الْعَرَب، قَالُوا: يَا رَسُول الله، أفنانا السَّيْف، فقَالَ: «ذَلِك أبقى لآخرتكم»، فَهَذَا معنى الرَّحْمَة الْمَبْعُوث بهَا ذكره الْخطابِيّ.
قلت: وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك حَدِيث عَائِشَة: إِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعث إِلَيْهِ ملك الْجبَال، فقَالَ: إِن شِئْت أَن أطبق عَلَيْهِم الأخشبين، فقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بل أَرْجُو أَن يخرج الله من أصلابهم من يعَبْد اللَّهِ وَحده لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا».
قلت: هُوَ مَبْعُوث بِالرَّحْمَةِ أَيْضا، من حَيْثُ إِن الله وضع فِي شَرِيعَته عَن أمته مَا كَانَ فِي شرائع الْأُمَم السالفة عَلَيْهِم من الآصار والأغلال، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابه فِي قصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الْأَعْرَاف: ١٥٦] إِلَى قَوْله: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الْأَعْرَاف: ١٥٧] وَأعْطى أمته فِي الْأَعْمَار القصيرة على الْأَعْمَال الْيَسِيرَة ضعف مَا أعْطى الْأُمَم الْمَاضِيَة فِي الْأَعْمَار الطَّوِيلَة على الْأَعْمَال الْكَثِيرَة الثَّقِيلَة، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute