قَالَ الإِمَامُ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ الْكَلْبَ إِذَا شَرِبَ مِنْ إِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ آخَرُ، أَنَّهُ يَنْجُسُ وَلا يَطْهُرُ إِلا بِأَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ مُكَدَّرَةٌ بِالتُّرَابِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ: «لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ، وَلَكِنْ يَجِبَ غَسْلُهُ سَبْعًا تَعَبُّدًا».
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا عَدَدَ فِي غَسْلِهِ، وَلا تَعْفِيرَ، بَلْ هُوَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ.
وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْكَلْبِ فِي أَنَّهُ إِذَا شَرِبَ مِنْ إِنَاءٍ أَوْ أَصَابَ بَدَنُهُ مَكَانًا رَطْبًا يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ.
وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ مَخْصُوصٌ بِهِ، لأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُقَرِّبُ الْكِلابَ مِنْ أَنْفُسِهَا وَتَأْلَفُهَا، فَلَمَّا كَانَتْ نَجَاسَةً مَأْلُوفَةً غَلَّظَ الشَّرْعُ الْحُكْمَ فِي غَسْلِهَا، فَطْمًا لَهُمْ عَنْ عَادَتِهِمْ، كَالْخَمْرِ لَمَّا كَانَتْ نَجَاسَةً مَأْلُوفَةً، غَلظ الأَمْرُ فِي شُرْبِهَا بِإِيجَابِ الْحَدِّ بِخِلافِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَأَمَّا إِذَا أَصَابَ بَدَنُهُ الْيَابِسُ مَكَانًا يَابِسًا، أَوْ مَشَى عَلَى مَكَانٍ يَابِسٍ، فَلا ينجس، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتِ الْكِلابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute