للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَن هَذِهِ الْقِصَّة إِنَّمَا جرت مَعَهُ أَيَّام مهادنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود وحلفاءهم، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْد مقدمه الْمَدِينَة كتب بَينه وَبينهمْ كتابا صَالحهمْ فِيهِ عَلَى أَن لَا يهاجوا، وَأَن يتْركُوا عَلَى أَمرهم، وَكَانَ ابْن الصياد مِنْهُمْ، أَوْ دخيلا فِي جُمْلَتهمْ، وَكَانَ يبلغ رَسُول اللَّهِ خَبره وَمَا يَدعِيهِ من الكهانة، ويتعاطاه من الْغَيْب، فامتحنوه بِذَلِكَ ليروز بِهِ أمره، ويخبر بِهِ شَأْنه، فَلَمَّا كَلمه، علم أَنَّهُ مُبْطل، وَأَنه من جملَة السَّحَرَة أَوِ الكهنة، أَو مِمَّن يَأْتِيهِ رَئِيٌ من الْجِنّ، أَوْ يتعاهده شَيْطَان، فيلقي عَلَى لِسَانه بَعْض مَا يتَكَلَّم بِهِ، فَلَمَّا سمع مِنْهُ قَوْله الدخ، زبره، فَقَالَ: «اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك»، يُرِيد أَن ذَلِكَ شَيْء أَلْقَاهُ إِلَيْهِ الشَّيْطَان، وأجراه عَلَى لِسَانه، وَلَيْسَ ذَلِكَ من قبل الْوَحْي السماوي، إِذَ لَمْ يكن لَهُ قدر الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ يُلْهمُون الْعلم، ويصيبون بِنور قُلُوبهم الْحق، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُ تارات يُصِيب فِي بَعْضهَا، ويخطئ فِي بَعْض، وَذَلِكَ معنى قَوْله: «يأتيني صَادِق وكاذب»، فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: خلط عَلَيْك، فالجملة من أمره أَنَّهُ كَانَ فتْنَة قَدِ امتحن اللَّه بِهِ عباده الْمُؤْمِنِينَ، ليهلك من هلك عَنْ بَيِّنَة، وَقَدِ امتحن قوم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي زَمَانه بالعجل، فَافْتتنَ بِهِ قوم وأهلكوا، وَنَجَا من هداه اللَّه وَعَصَمَهُ مِنْهُمْ.

وَقَدِ اخْتلفت الرِّوَايَات فِي أمره، وَفِيمَا كَانَ من شَأْنه بَعْد كبره، فَروِيَ أَنَّهُ قَدْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ القَوْل، ثُمَّ إِنَّه مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ لما أَرَادوا الصَّلَاة عَلَيْهِ، كشفوا عَنْ وَجهه حَتَّى رَآهُ النَّاس، وَقِيلَ لَهُمُ: اشْهَدُوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>