وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْوَلِيدِ، شَهِدَ بَدْرًا، وَعَائِذُ اللَّهِ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيُّ الشَّامِيُّ، وُلِدَ عَامَ حُنَيْنٍ.
قَوْلُهُ: «وَلا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ».
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُقَالُ: بَهَتَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ يَبْهَتُ بَهْتًا وَبُهْتَانًا، وَهُوَ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ الَّذِي يُبْهِتُ مِنْ شِدَّةِ نُكْرِهِ، وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ، فَيَبْقَى مَبْهُوتًا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَذْفُ أَهْلِ الإِحْصَانِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ رَمْيُ النَّاسِ بِالْعَظَائِمِ، وَمَا يُلْحِقُ بِهِمُ الْعَارَ وَالْفَضِيحَةَ.
وَقَوْلُهُ: «تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ»، ذِكْرُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُمَا فِيهِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُعْظَمَ أَفْعَالِ النَّاسِ إِنَّمَا يُضَافُ إِلَى الأَيْدِي وَالأَرْجُلِ، لأَنَّهُمَا الْعَوَامِلُ، وَإِنْ شَارَكَهُمَا سَائِرُ الأَعْضَاءِ، كَمَا إِذَا أَوْلاهُ صَاحِبُهُ مَعْرُوفًا، يَقُولُ: صَنَعَ فُلانٌ عِنْدِي يَدًا، وَلَهُ عِنْدِي يَدٌ، وَالصَّنَائِعُ: الأَيَادِي، وَقَدْ يُعَاقَبُ الرَّجُلُ عَلَى جِنَايَةِ لِسَانِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بِمَا كَسَبَتْ يَدُكَ، وَالْيَدُ لَا فِعْلَ لَهَا فِيهِ.
فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَبْهَتُوا النَّاسَ افْتِرَاءً وَاخْتِلافًا بِمَا لَمْ تَعْلَمُوهُ مِنْهُمْ، فَتَجْنُوا عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، أَيْ: قِبَلَ أَنْفُسِكُمْ جِنَايَةً تَفْضَحُونَهُمْ بِهَا، وَهُمْ بُرَآءُ، وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ كِنَايَةٌ عَنِ الذَّاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute