قرَّر الخطيب في كتابه «الكفاية» أن الرواة إذا اختلفوا في الحديث، فبعضهم رفعه وبعضهم وقفه، أن الصواب مع من رفعه، وقد ذكرت كلامه في المطلب السابق.
ولكن من خلال مطالعة كتابه «تاريخ بغداد» يتبين جليًّا أنه يرجِّح بالأحفظ والأكثر، وغيرهما من القرائن، ويسير في نقده في هذه المسألة على نهج أئمة الحديث ونقاده، بل إني لم أره قد رجَّح الرفع على الوقف ولو مرة واحدة، وقد خالف بذلك ما قرره في «الكفاية» من ترجيح الرفع مطلقًا.
وهذه بعض الأمثلة التي توضِّح ذلك:
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة إبراهيم بن مجشِّر من «تاريخ بغداد» ومن طريقه عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الرهن محلوب ومركوب»(١). قال: فذكرتُ ذلك لإبراهيم،
فقال: إنْ كانوا ليكرهون أن يستمتعوا من الرهن بشيء.
ثم قال الخطيب: «تفرد برواية هذا الحديث عن أبي معاوية مرفوعًا
(١) أي: لمرتهنه أن يأكل لبنه وأن يركبه، بقدر نظره عليه وقيامه بأمره وعلفه. ينظر: «النهاية في غريب الحديث» (١/ ٤٢٢)، و «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ١٤٣ - ١٤٤).