للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث

نقد الخطيب للأحكام النقدية لسابقيه وعدم التقليد

قد تقرَّر في المبحثين السابقين تأثر الخطيب في أحكامه النقدية بالنقاد المتقدمين واستفادته منهم، إلا أن هذا لا يفيد أنه كان مقلِّدًا لهم عالةً عليهم، بل كان مجتهدًا في نقد الحديث، له أحكامه الخاصة به، وقد سبقت دراسة كثير من أحكامه على طول الدراسة، وكان إذا خالف اجتهادُه اجتهادَ من سبقه من النقاد صرَّح بمخالفته له، وبيَّن ذلك بالأدلة والبراهين، وسأورد بعض الأمثلة التي تبين ذلك:

- المثال الأول:

ذكر الخطيب في ترجمة محمد بن أحمد بن إبراهيم بن قريش الحَكيمي، أنه سأل شيخه أبا بكر البَرْقاني عنه، فقال: ثقة إلا أنه يروي مناكير.

فتعقَّبه الخطيب قائلًا: «وقد اعتبرتُ أنا حديثه فقلَّما رأيتُ فيه منكرًا» (١).

فالبَرْقاني حكم على هذا الراوي بأنه ثقة إلا أن في أحاديثه مناكير، وتُعرف المناكير في حديث المحدِّث، إذا ما عُرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها (٢).

لكن الخطيب لم يرتضِ بحكم البَرْقاني، وذهب إلى أن المناكير قليلة في أحاديث الحَكيمي؛ حيث إنه اعتبر أحاديثه واختبرها، فوجدها موافقة


(١) «تاريخ بغداد» (٢/ ٨٧).
(٢) مقدمة «صحيح مسلم» (١/ ٧).

<<  <   >  >>