للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا مثال واحد يبين كيفية نقد الخطيب للراوي وللرواية معًا، ويوضِّح مقدار ما كان يلاقيه - رحمه الله - من عناء ومشقة في سبيل ذلك:

قال الخطيب في ترجمة شيخه محمد بن علي بن يعقوب أبي العلاء الواسطي: «رأيت لأبي العلاء أصولًا عُتُقًا سماعه فيها صحيح، وأصولًا مضطربة، وسمعته يذكر أن عنده تاريخ شباب العُصْفري، فسألته إخراجَ أصله به لأقرأه عليه فوعدني بذلك.

ثم اجتمعت مع أبي عبد الله الصوري فتجارينا ذِكره، فقال لي: لا تُرِد أصله بتاريخ شباب؛ فإنه لا يصلح لك. قلت: وكيف ذاك؟

فذكر أن أبا العلاء أخرج إليه الكتاب، فرآه قد سمَّع فيه لنفسه تسميعًا طريًّا (١)؛ مشاهدته تدل على فساده.

وذاكرتُ أبا العلاء يومًا بحديث كتبته عن أبي نُعيم الحافظ عن أبي محمد بن السقَّاء (٢)، فقال: قد سمعتُ هذا الحديث من ابن السقَّاء، وكتبه عني أبو عبد الله بن بُكير (٣)، وكتاب ابن بُكير عندي.

فسألته إخراجه إليَّ، فوعدني بذلك، ثم أخرجه إليَّ بعد أيام، وإذا جزء كبير


(١) أي: أنه ألحق اسمه في طباق السماع بخط حديث؛ ليدَّعي أنه سمع الكتاب، وسيأتي تفصيل ذلك بعد قليل.
(٢) هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عثمان بن المختار أبو محمد المزني الواسطي، يعرف بابن السقاء، كان فَهِمًا حافظًا، توفي سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. «تاريخ بغداد» (١١/ ٣٥٤).
(٣) هو الحسين بن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن بكير أبو عبد الله الصيرفي، كان حافظًا، مات سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. «تاريخ بغداد» (٨/ ٥٢٣).

<<  <   >  >>