للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحافي قد حفر فيه أبو بكر أحمد بن علي الطُّرَيْثِيثي قبرًا لنفسه، وكان يمضي إلى

ذلك الموضع ويختم فيه القرآن ويدعو، ومضى على ذلك عدة سنين، فلما مات الخطيب سألوه أن يدفنوه في هذا الموضع فامتنع، وقال: هذا قبري قد حفرته وختمت فيه عدة ختمات، لا أُمكِّن أحدًا من الدفن فيه، وهذا مما لا يُتصوَّر.

فانتهى الخبر إلى الشيخ الزاهد أبي سعد أحمد بن محمد بن دوست النيسابوري المعروف بشيخ الشيوخ، فقال لأبي بكر الطُّرَيْثِيثي: يا شيخ، لو كان بشر بن الحارث الحافي في الأحياء، ودخلت أنت والخطيب عليه، أيُّكما كان يقعد إلى جانبه أنت أو الخطيب؟ قال: لا، بل الخطيب. فقال: كذا ينبغي أن يكون في حالة الممات؛ فإنه أحق به منك. فطاب قلبه ورضي بأن يُدفن الخطيب في ذلك الموضع، فدُفن فيه (١).

- رحمه الله - وأكرم مثواه، وهو ممن يُنشد له قول الشاعر:

ما زلتَ تدأب في التاريخ مجتهدًا … حتى رأيتُك في التاريخ مكتوبا (٢)

وقد رُئيت له منامات كثيرة صالحة مبشِّرة، منها ما ذكره أبو الفضل بن خيرون قال: جاءني بعض الصالحين وأخبرني لما مات الخطيب أنه رآه في النوم، فقال له: كيف حالك؟ قال: أنا في رَوح ورَيحان وجنة نعيم (٣).


(١) «تاريخ دمشق» (٥/ ٣٤، ٣٨ - ٣٩)، و «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (١٦/ ١٣٤)، و «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: ١٥٤)، و «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ٢٨٦)، و «طبقات الشافعية» للسبكي (٤/ ٣٧).
(٢) «البداية والنهاية» (١٦/ ٣١).
(٣) «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ٢٨٧). وينظر: «تاريخ دمشق» (٥/ ٣٧، ٤٠)، و «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ٢٨٨).

<<  <   >  >>