العامة مستمدة في أغلب الأحيان من معلومات عن الحياة الاجتماعية وتحتوي معظم هذه المعلومات على عنصر من الشك، ولذا لا بد من الحذر.
هذا ولا بد من التأكيد على أن يكون الباحث متزويا في عملية الاجتهاد التاريخي، وحذرا في اجتهاداته واستنتاجاته، وألا يذهب فيها بعيدا، ولا يعتمد على تعميمات ضعيفة لا أدلة أو براهين كافية عليها، علما بأن الاجتهاد لا يؤدي إلى نتائج قاطعة وثابتة، وإنما إلى نتائج تقريبية، كما أن بعض القضايا التي لم تنشر إليها الوثائق، قد تبقي حائرة لا أرى حاسم فيها، حتى يكتشف من المصادر ما ينير غموضها، وعلى الباحث أيضا ألا يسرف في تحليل الأصول، بحيث يحملها من الاجتهادات أكثر من محتواها الحقيقي، كما لا يجوز أن يخلط بين الحقائق المؤكدة التي توصل إليها من وثائقه، وبين الوقائع التي حصل عليها بالاجتهاد، وفي الحالة الأخيرة عليه أن يبين بصراحة أنها استنتاج، وأن يظهر مدى ثقته أو شكه بها.
٤- ربط الحقائق التاريخية ببعضها أو البحث عن علاقات قائمة بينها؛ التعليل:
وهي ذروة العملية التركيبية في التاريخ، والنتائج النهائية لها، ويقودنا بحث العلاقة بين الحقائق إلى موضوع هام في منهج البحث التاريخي، وهو موضوع التعليل، أو البحث عن الأسباب، ولقد أكد التيار الحديث في الكتابة التاريخية أن دراسة التاريخ هي دراسة أسباب، وإذا كان جمع المادة التاريخية يشكل الخطوة الأولى، فإن التعليل يشكل الخطوة الأخيرة الحاسمة، وهو الذي يقود إلى الصيغ العامة التي تشبه إلى حد ما القوانين، والتي تحاول أن تكشف النسيج الذي يكون ماضيه الإنسان في دوافعه وروابطه١، فسرد الأحداث متسلسلة زمنيا أو مصنفة نوعا، مهما بلغ من الدقة والموضوعية، لم يعد يمثل في نظر المؤرخين المعاصرين سوى تقويم "كرونولوجي"، لا يفسر واقع الإنسان وفعاليته المختلفة، ولا بد من إدخال الروابط المنطقية والمعقولة،
١ شاكر مصطفى، "التاريخ هل هو علم" مجلة عالم الفكر. المجلد الخامس. العدد الأول، "١٩٧٤" ٢٠١.