للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضمن تلك الأحداث، والتساؤل عن أسباب ازدهار الحضارات وانحطاطها، وتفوق الأمم وتدهورها، وتفجر الثورات وخمودها إلى غير ذلك من الأمور، فالسببية هي الركن الأساسي الذي يقيم التاريخ عليها علميتهن ويحاول أن يتساوى بها مع العلوم الأخرى.

لقد أكد ابن خلدون على مبدأ "العلية" أو "السببية" عندما ألح على أن التاريخ "في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق"١.

إن اهتمام المؤرخين بسببية الأحداث يعني إيمانهم بأن "التاريخ ليس مجرد أحداث لكنه يستند كالعلوم الأخرى إلى فرضية مسبقة، هي أن ثمة قوانين تسير هذا النظام من الأحداث على الشكل الذي يجري فيه، وقد أكد هذه الفرضة "هيغل"٢ بنظريته القائلة: "إن الزمان والمكان والفردية، ليست وحدات مستقلة مشتقة بعضها عن بعض، كما أن الواقعة التاريخية ليست فردية، كل شيء في الوجود يتم وفق مخطط منطقي عام تجري الحوادث بموجبه، فلا صدفة في التاريخ، بل لا علل مبدئية لحوداثه، فهذه الأخيرة ليست إلا أسبابا ظاهرية". وقد تبنى هذه المفهوم بأطره العامة عديد من المؤرخين في القرن "التاسع عشر" من مثال المؤرخ الفرنسي ميشله "١٧٩٨- ١٨٧٤م" الذي رأى في مجرى الحوادث دورها الخاص في تقديم المجتمع الإنساني، وكانت مدار دراسات وتأملات فلاسفة التاريخ، وما زالت مشكلة السبب التاريخي في جوهرها دون حل رغم محاولات المؤرخين تلمس أسباب الحوادث.

يضاف أخيرا مشكلة كبرى هي مشكلة "الاحتمال والصدق" فهناك أمور تبدو خارجة عن حدود إرادة الإنسان، ومن هنا كانت السببية في التاريخ هي محاولة للكشف عن السبب ولكن عن تلك المجموعة المركبة من الأسباب والعوامل الكامنة


١ مقدمة ابن خلدون، مرجع سبق ذكره، ص٣-٤.
٢ فيلسوف ألماني "١٧٣٠-١٨٣١م" طرح آراءه حول سير التاريخ والمفهوم الجدلي فيه.

<<  <   >  >>