للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحضارة العربية الإسلامية، واستنادا إلى ما ذكره ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" وما ذكره المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف" فإن مدرسة الفكر انتقلت من مدرسة الإسكندرية في سنة "٩٩هـ/ ٧١٧م" إلى أنطاكية، حيث مكث فيها حوالي سنة "٢٣٠هـ/ ٨٤٤م" ومنها إلى حران حتى حوالي سنة "٢٧٠هـ/ ٨٨٤م" وفي المرحلة الثالثة بين عامي "٨٩٢هـ/ ٩٠٢هـ" أي "١٤٨٦م-١٤٩٦م" انتقلت إلى بغداد حيث أصبحت متماسكة الحلقات، تسير بين أرجاء العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه، إلى أمهات المدن الإسلامية الأخرى في دمشق والقاهرة والقيروان وقرطبة١ وعن طريق الأندلس فيما بعد وإيطاليا وصقلية، وجد العلم طريقه إلى أوروبا محدثا بذلك دورة أخرى في التاريخ، انتقل العلم فيها بوساطة الاقتباس من الحضارة الأندلسية في القرن "الثاني عشر" تقريبا، ويرى "لوبون" أن الحضارة العربية لم تدخل أوروبا نتيجة الحروب الصليبية كما هو الرأي الشائع، بل دخلت بوساطة الأندلس وصقلية وإيطالية، وزهاء مدة "خمسة قرون أو ستة" ظلت ترجمة كتب العرب العلمية هي المصدر الوحيد للتدريس بجامعات أوروبا، ولم يظهر في أوروبا قبل "القرن الخامس عشر" عالم لم يقتصر على استنساخ كتب العرب، وكان الموسوعيون الأوروبيون حينما يتحدثون عن الأرض يرددون ببساطة آراء ابن سينا، وقبل نهاية القرن "الثالث عشر الميلادي" كانت معظم العلوم بما فيها علوم الأرض والفلسفات العربية قد تمت ترجمتها ونقلها إلى أوروبا.

وهكذا نرى أن الدعائم الأولى للحضارة الأوروبية الحديثة، ارتكزت على أسس متينة من الحضارة الإسلامية، التي تركت بصماتها واضحة في شتى مجالات الفكر الأوروبي وعلومه، من ذلك شيوع مصطلحات عربية أو ذات أصل عربي في اللغات الأوروبية على اختلافها، وقد تأثر بذلك بخاصة اللغات الإسبانية والبرتغالية والإنكليزية


١ الوقت الذي كانت فيه قرطبة مركز حضارة الأندلس تزهو بمكتباتها السبع عشرة، كان أساتذة جامعة "اكسفورد" يعتبرون غسل الجسم أكبر الأخطار التي تهدد حياة الإنسان "فيليب حتي: موجز لتاريخ العرب".

<<  <   >  >>