للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «سَرَّحَتْنِي أُمِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ. فَأَتَيْتُهُ فَقَعَدْتُ. قَالَ: فَاسْتَقْبَلَنِي، فَقَالَ: مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنِ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللَّهُ، وَمَنِ اسْتَكْفَى كَفَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ، فَقَدْ أَلْحَفَ. فَقُلْتُ: نَاقَتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ. وَلَمْ أَسْأَلْهُ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَعَنْ خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ جَاءَهُ مِنْ أَخِيهِ مَعْرُوفٌ، مِنْ غَيْرِ إِشْرَافٍ وَلَا مَسْأَلَةٍ. فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ. فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

فَهَذَا أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ مِنْ شَرْطِ الرِّضَا: تَرْكَ الْإِلْحَاحِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَلْيَقُ الْمَعْنَيَيْنِ وَأَوْلَاهُمَا. لِأَنَّهُ قَرَنَهُ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ مَعَ الْخَلْقِ. فَلَا يُخَاصِمُهُمْ فِي حَقِّهِ. وَلَا يَطْلُبُ مِنْهُمْ حُقُوقَهُ.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ. وَلَا يُبَالِغُ فِيهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي رِضَاهُ. وَهَذَا يَصِحُّ فِي وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ فَيَصِحُّ إِذَا كَانَ الدَّاعِي يُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ بِأَغْرَاضِهِ وَحُظُوظِهِ الْعَاجِلَةِ. وَأَمَّا إِذَا أَلَحَّ عَلَى اللَّهِ فِي سُؤَالِهِ بِمَا فِيهِ رِضَاهُ وَالْقُرْبُ مِنْهُ: فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي مَقَامِ الرِّضَا أَصْلًا. وَفِي الْأَثَرِ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» . «وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ بَدْرٍ - لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ. كَفَاكَ بَعْضُ مُنَادَتِكَ لِرَبِّكَ» فَهَذَا الْإِلْحَاحُ عَيْنُ الْعُبُودِيَّةِ.

وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» .

فَإِذَا كَانَ سُؤَالُهُ يُرْضِيهِ لَمْ يَكُنِ الْإِلْحَاحُ فِيهِ مُنَافِيًا لِرِضَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>