للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَخَلُّلُ الْفَتَرَاتِ لِلسَّالِكِينَ: أَمْرٌ لَازِمٌ لَا بُدَّ مِنْهُ. فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى مُقَارَبَةٍ وَتَسْدِيدٍ، وَلَمْ تُخْرِجْهُ مِنْ فَرْضٍ، وَلَمْ تُدْخِلْهُ فِي مُحَرَّمٍ: رَجَا لَهُ أَنْ يَعُودَ خَيْرًا مِمَّا كَانَ.

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ: إِنَّ لِهَذِهِ الْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا. فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَخُذُوهَا بِالنَّوَافِلِ. وَإِنْ أَدْبَرَتْ فَأَلْزِمُوهَا الْفَرَائِضَ.

وَفِي هَذِهِ الْفَتَرَاتِ وَالْغُيُومِ وَالْحُجُبِ، الَّتِي تَعْرِضُ لِلسَّالِكِينَ: مِنَ الْحِكَمِ مَا لَا يَعْلَمُ تَفْصِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. وَبِهَا يَتَبَيَّنُ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ.

فَالْكَاذِبُ: يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَيَعُودُ إِلَى رُسُومِ طَبِيعَتِهِ وَهَوَاهُ.

وَالصَّادِقُ: يَنْتَظِرُ الْفَرَجَ. وَلَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ. وَيُلْقِي نَفْسَهُ بِالْبَابِ طَرِيحًا ذَلِيلًا مِسْكِينًا مُسْتَكِينًا، كَالْإِنَاءِ الْفَارِغِ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ، يَنْتَظِرُ أَنْ يَضَعَ فِيهِ مَالِكُ الْإِنَاءِ وَصَانِعُهُ مَا يَصْلُحُ لَهُ، لَا بِسَبَبٍ مِنَ الْعَبْدِ - وَإِنْ كَانَ هَذَا الِافْتِقَارُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ - لَكِنْ لَيْسَ هُوَ مِنْكَ. بَلْ هُوَ الَّذِي مَنَّ عَلَيْكَ بِهِ. وَجَرَّدَكَ مِنْكَ. وَأَخْلَاكَ عَنْكَ. وَهُوَ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ.

فَإِذَا رَأَيْتَهُ قَدْ أَقَامَكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَرْحَمَكَ وَيَمْلَأَ إِنَاءَكَ، فَإِنْ وَضَعْتَ الْقَلْبَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَلْبٌ مُضَيِّعٌ. فَسَلْ رَبَّهُ وَمَنْ هُوَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ: أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكَ وَيَجْمَعَ شَمْلَكَ بِهِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:

إِذَا مَا وَضَعْتَ الْقَلْبَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ... بِغَيْرِ إِنَاءٍ فَهُوَ قَلْبٌ مُضَيِّعُ

[فَصْلُ مَنْزِلَةِ الْوَقْتِ]

[حَقِيقَةُ الْوَقْتِ]

فَصْلٌ وَمِنْهَا الْوَقْتُ، قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ:

بَابُ الْوَقْتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى} [طه: ٤٠] الْوَقْتُ اسْمٌ لِظَرْفِ الْكَوْنِ. وَهُوَ اسْمٌ فِي هَذَا الْبَابِ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ، عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الْمَعْنَى الْأَوَّلُ: حِينَ وَجْدٍ صَادِقٍ، لِإِينَاسِ ضِيَاءِ فَضْلٍ جَذَبَهُ صَفَاءُ رَجَاءٍ، أَوْ لِعِصْمَةٍ جَذَبَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>