عِبَادِهِ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ. وَلَوْ أَغْنَاهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْغِنَى. وَلَوْ أَفْقَرَهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْمَرَضُ. وَلَوْ أَصَحَّهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الصِّحَّةُ. وَلَوْ أَمْرَضَهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: وَالْإِجَابَةُ لِمَا يُفْزِعُ الْمُرِيدُ مِنْ رُكُوبِ الْأَحْوَالِ.
يَقُولُ: إِنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنْ قُوَّةِ التَّسْلِيمِ يَهْجُمُ عَلَى الْأُمُورِ الْمُفْزِعَةِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا. وَلَا يَخَافُ مَعَهَا مِنْ رُكُوبِ الْأَحْوَالِ، وَاقْتِحَامِ الْأَهْوَالِ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ تَسْلِيمِهِ تَحْمِيهِ مِنْ خَطَرِهَا. فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخَافَ. فَإِنَّهُ فِي حِصْنِ التَّسْلِيمِ وَمِنْعَتِهِ وَحِمَايَتِهِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفَّقُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَسْلِيمُ الْعِلْمِ إِلَى الْحَالِ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: تَسْلِيمُ الْعِلْمِ إِلَى الْحَالِ: وَالْقَصْدُ إِلَى الْكَشْفِ، وَالرَّسْمِ إِلَى الْحَقِيقَةِ.
أَمَّا تَسْلِيمُ الْعِلْمِ إِلَى الْحَالِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ: تَحْكِيمَ الْحَالِ عَلَى الْعِلْمِ، حَاشَا الشَّيْخِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ: الِانْتِقَالَ مِنَ الْوُقُوفِ عِنْدَ صُوَرِ الْعِلْمِ الظَّاهِرَةِ إِلَى مَعَانِيهَا وَحَقَائِقِهَا الْبَاطِنَةِ، وَثَمَرَاتِهَا الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا، مِثْلَ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحْضِ التَّقْلِيدِ وَالْخَبَرِ إِلَى الْعِيَانِ وَالْيَقِينِ. حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَى وَيُشَاهِدُ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: ٦] . وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: ١٩] . وَيَنْتَقِلُ مِنَ الْحِجَابِ إِلَى الْكَشْفِ، فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْعِلْمِ إِلَى الْيَقِينِ، وَمِنَ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ. وَمِنْ عِلْمِ الْإِيمَانِ إِلَى ذَوْقِ طَعْمِ الْإِيمَانِ وَوِجْدَانِ حَلَاوَتِهِ. فَإِنَّ هَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ عِلْمِهِ. وَمِنْ عِلْمِ التَّوَكُّلِ إِلَى حَالِهِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
فَيُسَلِّمُ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ إِلَى الْحَالِ الصَّحِيحِ. فَإِنَّ سُلْطَانَ الْحَالِ أَقْوَى مِنْ سُلْطَانِ الْعِلْمِ. فَإِذَا كَانَ الْحَالُ مُخَالِفًا لِلْعِلْمِ فَهُوَ مَلِكٌ ظَالِمٌ. فَلْيَخْرُجْ عَلَيْهِ بِسَيْفِ الْعِلْمُ، وَلْيُحَكِّمْهُ فِيهِ.
وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْقَصْدِ إِلَى الْكَشْفِ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَنْ يَتْرُكَ الْقَصْدَ عَنْ مُعَايَنَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute