الْمَسْمُوعَةِ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا دَاعٍ قَوِيٌّ إِلَى مَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ. لِأَنَّهَا أَدِلَّةٌ عَلَى صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، وَتَوْحِيدِ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ، وَعَلَى حِكْمَتِهِ وَبِرِّهِ، وَإِحْسَانِهِ وَلُطْفِهِ، وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ، وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَسُبُوغِ نِعْمَتِهِ، فَإِدَامَةُ النَّظَرِ فِيهَا دَاعٍ - لَا مَحَالَةَ - إِلَى مَحَبَّتِهِ.
وَكَذَلِكَ الِارْتِيَاضُ بِالْمَقَامَاتِ. فَإِنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ رِيَاضَةً وَمَلَكَةً فِي مَقَامَاتِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ: كَانَتْ مَحَبَّتُهُ أَقْوَى. لِأَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لَهُ أَتَمُّ. وَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَنْشَأَ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّتَهُ.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مَحَبَّةٌ خَاطِفَةٌ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: مَحَبَّةٌ خَاطِفَةٌ. تَقْطَعُ الْعِبَارَةَ. وَتَدْفَعُ الْإِشَارَةَ. وَلَا تَنْتَهِي بِالنُّعُوتِ.
يَعْنِي: أَنَّهَا تَخْطِفُ قُلُوبَ الْمُحِبِّينَ. لِمَا يَبْدُو لَهُمْ مِنْ جَمَالِ مَحْبُوبِهِمْ. وَيُشِيرُ الشَّيْخُ بِذَلِكَ إِلَى الْفَنَاءِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالشُّهُودِ. وَإِنَّ الْعِبَارَةَ تَنْقَطِعُ دُونَ حَقِيقَةِ تِلْكَ الْمَحَبَّةِ. وَلَا تَبْلُغُهَا. وَلَا تَصِلُّ إِلَيْهَا الْإِشَارَةُ. فَإِنَّهَا فَوْقَ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ.
وَحَقِيقَتُهَا عِنْدَهُمْ: فَنَاءُ الْحُدُوثِ فِي الْقِدَمِ، وَاضْمِحْلَالُ الرُّسُومِ فِي نُورِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي تَظْهَرُ لِقُلُوبِ الْمُحِبِّينَ. فَتَمْلِكُ عَلَيْهَا الْعِبَارَةَ وَالْإِشَارَةَ وَالصِّفَةَ. فَلَا يَقْدِرُ الْمُحِبُّ أَنْ يُعَبِّرَ عَمَّا يَجِدَهُ لِأَنَّ وَارِدَهَا قَدْ خَطَفَ فَهْمَهُ. وَالْعِبَارَةُ تَابِعَةٌ لِلْفَهْمِ. فَلَا يَقْدِرُ الْمُحِبُّ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ إِشَارَةً تَامَّةً.
وَالْعِبَارَةُ عِنْدَهُمْ: تَحْتَ الْإِشَارَةِ وَأَبْعَدَ مِنْهَا. وَلِذَلِكَ جُعِلَ حَظَّهَا الْقَطْعُ. وَحَظَّ الْإِشَارَةِ الدَّفْعُ. فَإِنَّ مَقَامَ الْمَحَبَّةِ يَقْبَلُ الْعِبَارَةَ. وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ لَا تَقْبَلُ إِشَارَةً مَا. وَلَا تَقْبَلُ عِبَارَةً.
وَعِنْدَهُمْ: إِنَّمَا تَمْتَنِعُ الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ فِي مَقَامِ التَّوْحِيدِ، حَيْثُ لَا يَبْقَى لِلْمَحَبَّةِ رَسْمٌ، وَلَا اسْمٌ، وَلَا إِشَارَةٌ، وَهُوَ الْغَايَةُ عِنْدَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي.
وَالصَّوَابُ: أَنَّ تَوْحِيدَ الْمَحَبَّةِ أَكْمَلُ مِنْ هَذَا التَّوْحِيدِ الَّذِي يُشِيرُونَ إِلَيْهِ، وَأَعْلَى مَقَامًا، وَأَجَلَّ مَشْهَدًا. وَهُوَ مَقَامُ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَخَوَاصُّ الْمُقَرَّبِينَ.
وَأَمَّا تَوْحِيدُ الْفَنَاءِ: فَدُونَهُ بِكَثِيرٍ. وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَقَامَاتِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ