للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ حَالِ قَائِلِهِ، فَكَمَا رَجَعْتَ إِلَى اللَّهِ إِجَابَةً بِالْمَقَالِ، فَارْجِعْ إِلَيْهِ إِجَابَةً بِالْحَالِ، قَالَ الْحَسَنُ: ابْنَ آدَمَ؟ لَكَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَعَمَلُكَ أَوْلَى بِكَ مِنْ قَوْلِكَ، وَلَكَ سَرِيرَةٌ وَعَلَانِيَةٌ، وَسَرِيرَتُكَ أَمْلَكُ بِكَ مِنْ عَلَانِيَتِكَ.

[فَصْلٌ الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ]

فَصْلٌ

قَالَ: وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ إِصْلَاحًا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِالْخُرُوجِ مِنَ التَّبِعَاتِ، وَالتَّوَجُّعِ لِلْعَثَرَاتِ، وَاسْتِدْرَاكِ الْفَائِتَاتِ.

وَالْخُرُوجُ مِنَ التَّبِعَاتِ هُوَ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ لِلْخَلْقِ. وَالتَّوَجُّعُ لِلْعَثَرَاتِ يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ:

أَحَدَهُمَا: أَنْ يَتَوَجَّعَ لِعَثْرَتِهِ إِذَا عَثَرَ، فَيَتَوَجَّعُ قَلْبُهُ وَيَنْصَدِعُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى إِنَابَتِهِ إِلَى اللَّهِ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يَتَأَلَّمُ قَلْبُهُ، وَلَا يَنْصَدِعُ مِنْ عَثْرَتِهِ، فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ قَلْبِهِ وَمَوْتِهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَتَوَجَّعَ لِعَثْرَةِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ إِذَا عَثَرَ، حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَثَرَ بِهَا وَلَا يَشْمَتُ بِهِ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى رِقَّةِ قَلْبِهِ وَإِنَابَتِهِ.

وَاسْتِدْرَاكُ الْفَائِتَاتِ هُوَ اسْتِدْرَاكُ مَا فَاتَهُ مِنْ طَاعَةٍ وَقُرْبَةٍ بِأَمْثَالِهَا، أَوْ خَيْرٍ مِنْهَا وَلَاسِيَّمَا فِي بَقِيَّةِ عُمُرِهِ، عِنْدَ قُرْبِ رَحِيلِهِ إِلَى اللَّهِ، فَبَقِيَّةُ عُمُرِ الْمُؤْمِنِ لَا قِيمَةَ لَهَا. يَسْتَدْرِكُ بِهَا مَا فَاتَ، وَيُحْيِي بِهَا مَا أَمَاتَ.

فَصْلٌ.

قَالَ: وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ عَهْدًا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِالْخَلَاصِ مِنْ لَذَّةِ الذَّنْبِ، وَبِتَرْكِ الِاسْتِهَانَةِ بِأَهْلِ الْغَفْلَةِ، تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ، مَعَ الرَّجَاءِ لِنَفْسِكَ، بِالِاسْتِقْصَاءِ فِي رُؤْيَةِ عِلَّةِ الْخِدْمَةِ.

إِذَا صَفَتْ لَهُ الْإِنَابَةُ إِلَى رَبِّهِ تَخَلَّصَ مِنَ الْفِكْرَةِ فِي لَذَّةِ الذَّنْبِ، وَعَادَ مَكَانَهَا أَلَمًا وَتَوَجُّعًا لِذَكَرِهِ، وَالْفِكْرَةِ فِيهِ، فَمَا دَامَتْ لَذَّةُ الْفِكْرَةِ فِيهِ مَوْجُودَةً فِي قَلْبِهِ، فَإِنَابَتُهُ غَيْرُ صَافِيَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>