فَشَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَرَى أَنَّهُ عَارِضٌ مِنْ عَوَارِضِ الطَّرِيقِ لَا يَعْرِضُ لِلْكُّلِ. وَمِنَ السَّالِكِينَ مَنْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَلْبَتَّةَ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَرَاهُ لَازِمًا لِلطَّرِيقِ لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَرَاهُ غَايَةً لَا شَيْءَ فَوْقَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهُ تَوَسُّطًا. وَفَوْقَهُ مَا هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ وَأَرْفَعُ. وَهُوَ حَالَةُ الْبَقَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الِاسْتِغْرَاقُ فِي لَوَائِحِ الْمُشَاهَدَةِ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الِاسْتِغْرَاقُ فِي لَوَائِحِ الْمُشَاهَدَةِ. وَاسْتِنَارَةُ ضِيَاءِ الطَّرِيقِ وَاسْتِجْمَاعُ قُوَى الِاسْتِقَامَةِ.
هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ.
أَحَدُهَا: فِقْدَانُ الْإِحْسَاسِ بِغَيْرِهِ. لِاسْتِغْرَاقِهِ فِي مُشَاهَدَتِهِ.
الثَّانِي: اسْتِنَارَةُ ضِيَاءِ الطَّرِيقِ.
يَعْنِي ظُهُورَ الْجَادَّةِ لَهُ وَوُضُوحَهَا. وَاتِّصَالَهَا بِمَطْلُوبِهِ. وَهَذَا كَمَنْ هُوَ سَائِرٌ إِلَى مَدِينَةٍ. فَإِذَا شَارَفَهَا وَرَآهَا: رَأَى الطَّرِيقَ حِينَئِذٍ وَاضِحَةً إِلَيْهَا، وَاسْتَنَارَ لَهُ ضِيَاؤُهَا وَاتِّصَالُهَا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ قَبْلَ مُشَاهَدَةِ الْمَدِينَةِ عَلَى عِلْمٍ - أَوْ ظَنٍّ - يَجُوزُ مَعَهُ أَنْ يَضِيعَ عَنْ بَابِ الْمَدِينَةِ. وَأَمَّا الْآنَ: فَقَدْ أَمِنَ مِنْ أَنْ يَضِيعَ عَنِ الْبَابِ. وَكَذَلِكَ هَذَا السَّالِكُ: قَدِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْمَوَانِعُ، وَاسْتَبَانَ لَهُ الطَّرِيقُ. وَأَيْقَنَ بِالْوُصُولِ. وَصَارَتْ حَالُهُ حَالَ مُعَايِنِ بَابِ الْمَدِينَةِ مِنْ حِينِ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهِ. وَكَحَالِ مُعَايِنِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ قُرْبَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، حَيْثُ تَيَقَّنَ أَنَّ الشَّمْسَ بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: وَاسْتِجْمَاعُ قُوَى الِاسْتِقَامَةِ.
يَعْنِي: تُسْتَجْمَعُ لَهُ قُوَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ عَلَى قَصْدِ الْوُصُولِ وَالْعَزْمِ عَلَيْهِ، لِمُشَاهَدَتِهِ مَا هُوَ سَائِرٌ إِلَيْهِ. وَهَكَذَا عَادَةُ الْمُسَافِرِ: أَنَّهُ إِذَا عَايَنَ الْقَرْيَةَ الَّتِي يُرِيدُ دُخُولَهَا أَسْرَعَ السَّيْرَ، وَبَذَلَ الْجُهْدَ. وَكَذَلِكَ الْمُسَابِقُ إِذَا عَايَنَ الْغَايَةَ: اسْتَفْرَغَ قُوَى جَرْيِهِ وَسَوْقِهِ. وَكَذَلِكَ الصَّادِقُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ: أَقْوَى عَزْمًا وَقَصْدًا مِنْ أَوَّلِهِ، لِقُرْبِهِ مِنَ الْغَايَةِ الَّتِي يَجْرِي إِلَيْهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مَعْرِفَةُ الْعَزْمِ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الْعَزْمِ]
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: مَعْرِفَةُ الْعَزْمِ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الْعَزْمِ. ثُمَّ الْخَلَاصُ مِنْ