للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: ١١] .

فَيُقَالُ: وَوَرَدَ السُّرُورُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا فِي مَوْضِعٍ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: ١٠] .

فَقَدْ رَأَيْتَ وُرُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ فِي الْقُرْآنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَأَحْوَالِ الْآخِرَةِ. فَلَا يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّرْجِيحِ.

بَلْ قَدْ يُقَالُ: التَّرْجِيحُ لِلْفَرَحِ: لِأَنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُوصَفُ بِهِ. وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُهُ دُونَ السُّرُورِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَكْمَلُ مِنْ مَعْنَى السُّرُورِ، وَأَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: ٥٨] وَأَثْنَى عَلَى السُّعَدَاءِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: ١٧٠] .

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: ١١] وَقَوْلُهُ {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: ٩] فَعَدَلَ إِلَى لَفْظِ السُّرُورِ لِاتِّفَاقِ رُءُوسِ الْآيِ. وَلَوْ أَنَّهُ تَرْجَمَ الْبَابَ بِبَابِ الْفَرَحِ، لَكَانَ أَشَدَّ مُطَابَقَةً لِلْآيَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا. وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ. فَالْمَقْصُودُ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ.

[دَرَجَاتُ السُّرُورِ]

[الدَّرَجَةُ الْأُولَى سُرُورُ ذَوْقٍ]

قَالَ: وَهُوَ فِي هَذَا الْبَابِ: عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: سُرُورُ ذَوْقٍ. ذَهَبَ بِثَلَاثَةِ أَحْزَانٍ: حُزْنٌ أَوْرَثَهُ خَوْفُ الِانْقِطَاعِ. وَحُزْنٌ هَاجَمَتْهُ ظُلْمَةُ الْجَهْلِ. وَحُزْنٌ بَعَثَتْهُ وَحْشَةُ التَّفَرُّقِ.

السُّرُورُ ضِدُّ الْحُزْنِ. وَالْحُزْنُ لَا يُجَامِعُهُ: كَانَ مُذْهِبًا لَهُ. وَلَمَّا كَانَ سَبَبُهُ: ذَوْقَ الشَّيْءِ السَّارِّ. فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الذَّوْقُ أَتَمَّ: كَانَ السُّرُورُ بِهِ أَكْمَلَ.

وَهَذَا السُّرُورُ يُذْهِبُ ثَلَاثَةَ أَحْزَانٍ.

الْحُزْنُ الْأَوَّلُ: حُزْنٌ أَوْرَثَهُ خَوْفُ الِانْقِطَاعِ. وَهَذَا حُزْنُ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَكْبِ الْمُحِبِّينَ، وَوَفْدِ الْمَحَبَّةِ، فَأَهْلُ الِانْقِطَاعِ هُمُ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنْ صُحْبَةِ هَذَا الرَّكْبِ وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>