صُحْبَةِ الْخَلْقِ. فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ. فَإِنَّكَ إِنْ أَتَيْتَنِي بِعَبْدٍ آبِقٍأُثْبِتْكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ جَهْبَذًا.
[فَصْلٌ الشَّوْقُ هُبُوبُ الْقَلْبِ إِلَى غَائِبٍ]
فَصْلٌ
قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
الشَّوْقُ: هُبُوبُ الْقَلْبِ إِلَى غَائِبٍ. وَفِي مَذْهَبِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ: عِلَّةُ الشَّوْقِ عَظِيمَةٌ. فَإِنَّ الشَّوْقَ إِنَّمَا يَكُونُ إِلَى الْغَائِبِ. وَمَذْهَبُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ: إِنَّمَا قَامَ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ. وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَمْ يَنْطِقِ الْقُرْآنُ بِاسْمِهِ.
قُلْتُ: هُوَصَدَّرَ الْبَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت: ٥] فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الرَّجَاءَ شَوْقًا بِلِسَانِ الِاعْتِبَارِ لَا بِلِسَانِ التَّفْسِيرِ. أَوْ أَنَّ دَلَالَةَ الرَّجَاءِ عَلَى الشَّوْقِ بِاللُّزُومِ، لَا بِالتَّضَمُّنِ وَلَا بِالْمُطَابَقَةِ.
قَوْلُهُ " هُبُوبُ الْقَلْبِ إِلَى غَائِبٍ " يَعْنِي: سَفَرَهُ إِلَيْهِ، وَهُوِيَّهُ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا الْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الشَّوْقِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ الشَّوْقَ فِي حَالِ اللِّقَاءِ أَكْمَلَ مِنْهُ فِي حَالِ الْمَغِيبِ. فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ: لَا عِلَّةَ فِيهِ.
وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ سَفَرَ الْقَلْبِ إِلَى الْمَحْبُوبِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَنْهُ، فَعَلَى قَوْلِهِ: يَجِيءُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَوَجْهُهُ مَفْهُومٌ.
وَقَوْلُهُ " فَإِنَّ مَذْهَبَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ " - الَّذِي هُوَ الْفَنَاءُ - يُرِيدُ: أَنَّ الْفَنَاءَ إِنَّمَا قَامَ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ. فَإِنَّ بِدَايَتَهُ - كَمَا قَرَّرَهُ هُوَ - الْمَحَبَّةُ الَّتِي هِيَ نِهَايَةُ مَقَامَاتِ الْمُرِيدِينَ. وَالْفَنَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ. وَمَعَ الْمُشَاهَدَةِ لَا عَمَلَ لِلشَّوْقِ.
فَيُقَالُ: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ لَا تُزِيلُ الشَّوْقَ بَلْ تَزِيدُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا مُشَاهَدَةَ أَكْمَلُ مِنْ مُشَاهَدَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْمَزِيدِ - وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ - أَشْوَقُ شَيْءٍ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَكَذَلِكَ هُمْ أَشْوَقُ شَيْءٍ إِلَى رُؤْيَةِ