للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَعْنَى مَنْهُوبٍ، وَذِبْحٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحٍ، وَحِمْلٍ لِلْمَحْمُولِ. بِخِلَافِ الْحَمْلِ - الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ - لِخِفَّتِهِ. ثُمَّ أَلْحَقُوا بِهِ حِمْلًا لَا يَشُقُّ عَلَى حَامِلِهِ حَمْلُهُ، كَحَمْلِ الشَّجَرَةِ وَالْوَلَدِ.

فَتَأَمَّلْ هَذَا اللُّطْفَ وَالْمُطَابَقَةَ وَالْمُنَاسَبَةَ الْعَجِيبَةَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي، فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تُطْلِعْكَ عَلَى قَدْرِ هَذِهِ اللُّغَةِ، وَأَنَّ لَهَا شَأْنًا لَيْسَ لِسَائِرِ اللُّغَاتِ.

[فَصْلٌ رُسُومٌ وَحُدُودٌ قِيلَتْ فِي الْمَحَبَّةِ]

فَصْلٌ

فِي ذِكْرِ رُسُومٍ وَحُدُودٍ قِيلَتْ فِي الْمَحَبَّةِ، بِحَسَبِ آثَارِهَا وَشَوَاهِدِهَا. وَالْكَلَامِ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهَا.

الْأَوَّلُ، قِيلَ: الْمَحَبَّةُ الْمَيْلُ الدَّائِمُ، بِالْقَلْبِ الْهَائِمِ.

وَهَذَا الْحَدُّ لَا تَمْيِيزَ فِيهِ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ الْخَاصَّةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ، وَالصَّحِيحَةِ وَالْمَعْلُولَةِ.

الثَّانِي: إِيثَارُ الْمَحْبُوبِ، عَلَى جَمِيعِ الْمَصْحُوبِ.

وَهَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَحَبَّةِ وَأَثَرٌ مِنْ آثَارِهَا.

الثَّالِثُ: مُوَافَقَةُ الْحَبِيبِ، فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ.

وَهَذَا أَيْضًا مُوجِبُهَا وَمُقْتَضَاهَا. وَهُوَ أَكْمَلُ مِنَ الْحَدَّيْنِ قَبْلَهُ. فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَحَبَّةَ الصَّادِقَةَ الصَّحِيحَةَ خَاصَّةً، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْمَيْلِ وَالْإِيثَارِ بِالْإِرَادَةِ. فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ تَصْحَبْهُ مُوَافَقَةٌ فَمَحَبَّتُهُ مَعْلُولَةٌ.

الرَّابِعُ: مَحْوُ الْحُبِّ لِصِفَاتِهِ. وَإِثْبَاتُ الْمَحْبُوبِ لِذَاتِهِ.

وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَحْكَامِ الْفَنَاءِ فِي الْمَحَبَّةِ: أَنْ تَنْمَحِيَ صِفَاتُ الْمُحِبِّ، وَتَفْنَى فِي صِفَاتِ مَحْبُوبِهِ وَذَاتِهِ. وَهَذَا يَسْتَدْعِي بَيَانًا أَتَمَّ مِنْ هَذَا، لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا مَنْ أَفْنَاهُ وَارِدُ الْمَحَبَّةِ عَنْهُ، وَأَخَذَهُ مِنْهُ.

الْخَامِسُ: مُوَاطَأَةُ الْقَلْبِ لِمُرَادَاتِ الْمَحْبُوبِ.

وَهَذَا أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا. وَالْمُوَاطَأَةُ الْمُوَافَقَةُ لِمُرَادَاتِ الْمَحْبُوبِ وَأَوَامِرِهِ وَمَرَاضِيهِ.

السَّادِسُ: خَوْفُ تَرْكِ الْحُرْمَةِ، مَعَ إِقَامَةِ الْخِدْمَةِ.

وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَعْلَامِهَا وَشَوَاهِدِهَا وَآثَارِهَا: أَنْ يَقُومَ بِالْخِدْمَةِ كَمَا يَنْبَغِي، مَعَ خَوْفِهِ مِنْ تَرْكِ الْحُرْمَةِ وَالتَّعْظِيمِ.

السَّابِعُ: اسْتِقْلَالُ الْكَثِيرِ مِنْ نَفْسِكَ، وَاسْتِكْثَارُ الْقَلِيلِ مِنْ حَبِيبِكَ.

وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يَزِيدَ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَحْكَامِهَا وَمُوجِبَاتِهَا وَشَوَاهِدِهَا. وَالْمُحِبُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>