وَكُلُّ هَذَا مِنْ تَرْكِ تَعَظُّمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَقَدْ دَخَلَ مِنْ هَذَا الْفَسَادِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الطَّوَائِفِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. فَمَا يَدْرِي مَا أَوْهَنَتِ الْعِلَلُ الْفَاسِدَةُ مِنْ الِانْقِيَادِ إِلَّا اللَّهُ. فَكَمْ عَطَّلَتْ لِلَّهِ مِنْ أَمْرٍ. وَأَبَاحَتْ مِنْ نَهْيٍ. وَحَرَّمَتْ مِنْ مُبَاحٍ؟ ! وَهِيَ الَّتِي اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ السَّلَفِ عَلَى ذَمِّهَا.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَعْظِيمُ الْحُكْمِ]
فَصْلٌ
قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: تَعْظِيمُ الْحُكْمِ: أَنْ يُبْغَى لَهُ عِوَجٌ، أَوْ يُدَافَعَ بِعِلْمٍ. أَوْ يَرْضَى بِعِوَضٍ.
الدَّرَجَةُ الْأُولَى: تَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ الْحُكْمِ الدِّينِيِّ الشَّرْعِيِّ. وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ تَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ. وَهُوَ الَّذِي يَخُصُّهُ الْمُصَنِّفُ بِاسْمِ الْحُكْمِ وَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَرْعَى حُكْمَ اللَّهِ الدِّينِيَّ بِالتَّعْظِيمِ. فَكَذَلِكَ يَرْعَى حُكْمَهُ الْكَوْنِيَّ بِهِ. فَذَكَرَ مِنْ تَعْظِيمِهِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ.
أَحَدُهَا أَنْ لَا يُبْغَى لَهُ عِوَجٌ أَيْ يُطْلَبَ لَهُ عِوَجٌ، أَوْ يُرَى فِيهِ عِوَجٌ. بَلْ يَرَاهُ كُلَّهُ مُسْتَقِيمًا. لِأَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ عَيْنِ الْحِكْمَةِ. فَلَا عِوَجَ فِيهِ. وَهَذَا مَوْضِعٌ أَشْكَلَ عَلَى النَّاسِ جِدًّا.
فَقَالَ نُفَاةُ الْقَدَرِ: مَا فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ وَلَا عِوَجٍ. وَالْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَعْظَمِ التَّفَاوُتِ وَالْعِوَجِ. فَلَيْسَتْ بِخَلْقِهِ لَا مَشِيئَتِهِ وَلَا قَدَرِهِ.
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ تُقَابِلُهُمْ: بَلْ هِيَ مِنْ خَلْقِ الرَّحْمَنِ وَقَدَرِهِ. فَلَا عِوَجَ فِيهَا. وَكُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ مُسْتَقِيمٌ.
وَالطَّائِفَتَانِ ضَالَّتَانِ، مُنْحَرِفَتَانِ عَنِ الْهُدَى. وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ أَشَدُّ انْحِرَافًا. لِأَنَّهَا جَعَلَتِ الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِيَ طَرِيقًا مُسْتَقِيمًا لَا عِوَجَ فِيهِ. وَعَدَمُ تَفْرِيقِ الطَّائِفَتَيْنِ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْمَقْضِيِّ، وَالْحُكْمِ وَالْمَحْكُومِ بِهِ: هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِيمَا أَوْقَعَهُمْ فِيهِ.
وَقَوْلُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَجُمْهُورِهَا: إِنَّ الْقَضَاءَ غَيْرُ الْمَقْضِيِّ. فَالْقَضَاءُ فِعْلُهُ وَمَشِيئَتُهُ وَمَا قَامَ بِهِ. وَالْمَقْضِيُّ مَفْعُولُهُ الْمُبَايِنُ لَهُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ. وَهُوَ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْعِوَجِ وَالِاسْتِقَامَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute