للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ: وَهِيَ آخِرُ مَنْزِلَةٍ تَلْتَقِي فِيهَا مُقَدِّمَةُ الْعَامَّةِ وَسَاقَةُ الْخَاصَّةِ.

هَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَهُوَ: أَنَّ الْمَحَبَّةَ يُنْحَدَرُ مِنْهَا عَلَى أَوْدِيَةِ الْفَنَاءِ. فَهِيَ أَوَّلُ أَوْدِيَةِ الْفَنَاءِ. فَمُقَدَّمَةُ الْعَامَّةِ: هُمْ فِي آخِرِ مَقَامِ الْمَحَبَّةِ، وَسَاقَةُ الْخَاصَّةِ: فِي أَوَّلِ مَنْزِلِ الْفَنَاءِ. وَمَنْزِلَةُ الْفَنَاءِ مُتَّصِلَةٌ بِآخِرِ مَنْزِلَةِ الْمَحَبَّةِ. فَتَلْتَقِي حِينَئِذٍ مُقَدِّمَةُ الْعَامَّةِ بِسَاقَةِ الْخَاصَّةِ، هَذَا شَرْحُ كَلَامِهِ.

وَعِنْدَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى: الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ. وَهُوَ أَنَّ مُقَدِّمَةَ أَرْبَابِ الْفَنَاءِ يَلْتَقُونَ بِسَاقَةِ أَوْ بَابِ الْمَحَبَّةِ. فَإِنَّهُمْ أَمَامَهُمْ فِي السَّيْرِ. وَهُمْ أَمَامَ الرَّكْبِ دَائِمًا. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْبَقَاءِ فِي الْمَحَبَّةِ أَعْلَى شَأْنًا مِنْ أَهْلِ الْفَنَاءِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ مَا دُونَ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْمَقَامَاتِ]

فَصْلٌ

قَالَ: وَمَا دُونَهَا: أَغْرَاضٌ لِأَعْوَاضٍ.

يَعْنِي مَا دُونَ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْمَقَامَاتِ: فَهِيَ أَغْرَاضٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لِأَجْلِ أَعْوَاضٍ يَنَالُونَهَا، وَأَمَّا الْمُحِبُّونَ: فَإِنَّهُمْ عَبِيدٌ. وَالْعَبْدُ وَنَفْسُهُ وَعَمَلُهُ وَمَنَافِعُهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ، فَكَيْفَ يُعَاوِضُهُ عَلَى مِلْكِهِ؟ وَالْأَجِيرُ عِنْدَ أَخْذِ الْأُجْرَةِ يَنْصَرِفُ. وَالْعَبْدُ فِي الْبَابِ لَا يَنْصَرِفُ. فَلَا عُبُودِيَّةَ إِلَّا عُبُودِيَّةُ أَهْلِ الْمَحَبَّةِ الْخَالِصَةِ. أُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ.

[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ هِيَ سِمَةُ الطَّائِفَةِ وَعُنْوَانُ الطَّرِيقَةِ]

فَصْلٌ

قَالَ: وَالْمَحَبَّةُ هِيَ سِمَةُ الطَّائِفَةِ، وَعُنْوَانُ الطَّرِيقَةِ، وَمَعْقِدُ النِّسْبَةِ.

يَعْنِي: سِمَةُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْمُسَافِرِينَ إِلَى رَبِّهِمْ، الَّذِينَ رَكِبُوا جَنَاحَ السَّفَرِ إِلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يُفَارِقُوهُ إِلَى حِينِ اللِّقَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَعَدُوا عَلَى الْحَقَائِقِ. وَقَعَدَ مَنْ سِوَاهُمْ عَلَى الرُّسُومِ.

وَعُنْوَانُ طَرِيقَتِهِمْ أَيْ دَلِيلُهَا. فَإِنَّ الْعُنْوَانَ يَدُلُّ عَلَى الْكِتَابِ، وَالْمَحَبَّةُ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الطَّالِبِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ.

وَمَعْقِدُ النِّسْبَةِ أَيِ النِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَ الرَّبِّ وَبَيْنَ الْعَبْدِ. فَإِنَّهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ إِلَّا مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ مِنَ الْعَبْدِ وَالرُّبُوبِيَّةِ مِنَ الرَّبِّ. وَلَيْسَ فِي الْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>