للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحُكْمُ الْكَوْنِيُّ أَيْضًا مُتَضَمِّنٌ لِمِنَّتِهِ وَحُجَّتِهِ، فَإِذَا حَكَمَ لَهُ كَوْنًا حُكْمًا مَصْحُوبًا بِاتِّصَالِ الْحُكْمِ الدِّينِيِّ بِهِ فَهُوَ مِنَّةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ الدِّينِيُّ فَهُوَ حُجَّةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ حُكْمُهُ الدِّينِيُّ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ حُكْمُهُ الْكَوْنِيُّ، فَتَوْفِيقُهُ لِلْقِيَامِ بِهِ مِنَّةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ حُكْمِهِ الْكَوْنِيِّ صَارَ حُجَّةً مِنْهُ عَلَيْهِ، فَالْمِنَّةُ بِاقْتِرَانِ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ بِصَاحِبِهِ، وَالْحُجَّةُ فِي تَجَرُّدِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، فَكُلُّ عِلْمٍ صَحِبَهُ عَمَلٌ يُرْضِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَهُوَ مِنَّةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ.

وَكُلُّ قُوَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ صَحِبَهَا تَنْفِيذٌ لِمَرْضَاتِهِ وَأَوَامِرِهِ فَهِيَ مِنَّةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ حُجَّةٌ.

وَكُلُّ حَالٍ صَحِبَهُ تَأْثِيرٌ فِي نُصْرَةِ دِينِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ فَهُوَ مِنَّةٌ مِنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ.

وَكُلُّ مَالٍ اقْتَرَنَ بِهِ إِنْفَاقٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، لَا لِطَلَبِ الْجَزَاءِ وَلَا الشَّكُورِ، فَهُوَ مِنَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ.

وَكُلُّ فَرَاغٍ اقْتَرَنَ بِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا يُرِيدُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ فَهُوَ مِنَّةٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ.

وَكُلُّ قَبُولٍ فِي النَّاسِ، وَتَعْظِيمٍ وَمَحَبَّةٍ لَهُ، اتَّصَلَ بِهِ خُضُوعٌ لِلرَّبِّ، وَذُلٌّ وَانْكِسَارٌ، وَمَعْرِفَةٌ بِعَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ، وَبَذْلِ النَّصِيحَةِ لِلْخَلْقِ فَهُوَ مِنَّةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ.

وَكُلُّ بَصِيرَةٍ وَمَوْعِظَةٍ، وَتَذْكِيرٍ وَتَعْرِيفٍ مِنْ تَعْرِيفَاتِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ إِلَى الْعَبْدِ، اتَّصَلَ بِهِ عِبْرَةٌ وَمَزِيدٌ فِي الْعَقْلِ، وَمَعْرِفَةٌ فِي الْإِيمَانِ فَهِيَ مِنَّةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ حُجَّةٌ.

وَكُلُّ حَالٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مَقَامٍ اتَّصَلَ بِهِ السَّيْرُ إِلَى اللَّهِ، وَإِيثَارُ مُرَادِهِ عَلَى مُرَادِ الْعَبْدِ، فَهُوَ مِنَّةٌ مِنَ اللَّهِ، وَإِنْ صَحِبَهُ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ وَالرِّضَى بِهِ، وَإِيثَارُ مُقْتَضَاهُ، مِنْ لَذَّةِ النَّفْسِ بِهِ وَطُمَأْنِينَتِهَا إِلَيْهَا، وَرُكُونِهَا إِلَيْهِ، فَهُوَ حُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ.

فَلْيَتَأَمَّلِ الْعَبْدُ هَذَا الْمَوْضِعَ الْعَظِيمَ الْخَطَرِ، وَيُمَيِّزْ بَيْنَ مَوَاقِعِ الْمِنَنِ وَالْمِحَنِ، وَالْحُجَجِ وَالنِّعَمِ، فَمَا أَكْثَرَ مَا يَلْتَبِسُ ذَلِكَ عَلَى خَوَاصِّ النَّاسِ وَأَرْبَابِ السُّلُوكِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

[فَصْلٌ الرُّكْنُ الثَّانِي التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا لِلْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ]

فَصْلٌ

الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْمُحَاسَبَةِ:

وَهِيَ أَنْ تُمَيِّزَ مَا لِلْحَقِّ عَلَيْكَ وَبَيْنَ مَا لَكَ وَمَا عَلَيْكَ مِنْ وُجُوبِ الْعُبُودِيَّةِ، وَالْتِزَامِ الطَّاعَةِ، وَاجْتِنَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>