للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمُرُوءَةِ]

[حَقِيقَةُ الْمُرُوءَةِ]

وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] مَنْزِلَةُ الْمُرُوءَةِ.

الْمُرُوءَةُ فُعُولَةٌ مَنْ لَفَظِ الْمَرْءِ، كَالْفُتُوَّةِ مِنَ الْفَتَى، وَالْإِنْسَانِيَّةُ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَلِهَذَا كَانَ حَقِيقَتُهَا: اتِّصَافَ النَّفْسِ بِصِفَاتِ الْإِنْسَانِ الَّتِي فَارَقَ بِهَا الْحَيَوَانَ الْبَهِيمَ، وَالشَّيْطَانَ الرَّجِيمَ. فَإِنَّ فِي النَّفْسِ ثَلَاثَةَ دَوَاعٍ مُتَجَاذِبَةٍ: دَاعٍ يَدْعُوهَا إِلَى الْإِنْصَافِ بِأَخْلَاقِ الشَّيْطَانِ: مِنَ الْكِبْرِ، وَالْحَسَدِ، وَالْعُلُوِّ، وَالْبَغْيِ، وَالشَّرِّ، وَالْأَذَى، وَالْفَسَادِ، وَالْغِشِّ.

وَدَاعٍ يَدْعُوهَا إِلَى أَخْلَاقِ الْحَيَوَانِ. وَهُوَ دَاعِي الشَّهْوَةِ.

وَدَاعٍ يَدْعُوهَا إِلَى أَخْلَاقِ الْمَلَكِ: مِنَ الْإِحْسَانِ، وَالنُّصْحِ، وَالْبِرِّ، وَالْعِلْمِ، وَالطَّاعَةِ.

فَحَقِيقَةُ الْمُرُوءَةِ: بُغْضُ ذَيْنِكَ الدَّاعِيَيْنِ، وَإِجَابَةُ الدَّاعِي الثَّالِثِ. وَقِلَّةُ الْمُرُوءَةِ وَعَدَمُهَا: هُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ ذَيْنِكَ الدَّاعِيَيْنِ، وَالتَّوَجُّهُ لِدَعْوَتِهِمَا أَيْنَ كَانَتْ.

فَالْإِنْسَانِيَّةُ، وَالْمُرُوءَةُ، وَالْفُتُوَّةُ: كُلُّهَا فِي عِصْيَانِ الدَّاعِيَيْنِ، وَإِجَابَةُ الدَّاعِي الثَّالِثِ. كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ عُقُولًا بِلَا شَهْوَةٍ. وَخَلَقَ الْبَهَائِمَ شَهْوَةً بِلَا عُقُولٍ. وَخَلَقَ ابْنَ آدَمَ، وَرَكَّبَ فِيهِ الْعَقْلَ وَالشَّهْوَةَ. فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ: الْتَحَقَ بِالْمَلَائِكَةِ. وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَقْلَهُ: الْتَحَقَ بِالْبَهَائِمِ.

وَلِهَذَا قِيلَ فِي حَدِّ الْمُرُوءَةِ: إِنَّهَا غَلَبَةُ الْعَقْلِ لِلشَّهْوَةِ.

وَقَالَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّهَا: هِيَ اسْتِعْمَالُ مَا يُجَمِّلُ الْعَبْدَ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ.

وَقِيلَ: الْمُرُوءَةُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ. وَاجْتِنَابُ كُلِّ خُلُقٍ قَبِيحٍ.

وَحَقِيقَةُ الْمُرُوءَةِ تَجَنُّبُ الدَّنَايَا وَالرَّذَائِلِ، مِنَ الْأَقْوَالِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْأَعْمَالِ.

فَمُرُوءَةُ اللِّسَانِ: حَلَاوَتُهُ وَطِيبُهُ وَلِينُهُ، وَاجْتِنَاءُ الثِّمَارِ مِنْهُ بِسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ.

وَمُرُوءَةُ الْخُلُقِ: سَعَتُهُ وَبَسْطُهُ لِلْحَبِيبِ وَالْبَغِيضِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>