للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَافٍ غَيْرُ مُكَدَّرٍ. وَالرَّجَاءُ الصَّافِي هُوَ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ كَدَرُ تَوَهُّمِ مُعَاوَضَةٍ مِنْكَ، وَأَنَّ عَمَلَكَ هُوَ الَّذِي بَعَثَكَ عَلَى الرَّجَاءِ. فَصَفَاءُ الرَّجَاءِ يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ. بَلْ يَكُونُ رَجَاءً مَحْضًا لِمَنْ هُوَ مُبْتَدِئُكَ بِالنِّعَمِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقِكَ. وَالْفَضْلُ كُلُّهُ لَهُ وَمِنْهُ، وَفِي يَدِهِ - أَسْبَابُهُ وَغَايَاتُهُ، وَوَسَائِلُهُ، وَشُرُوطُهُ، وَصَرْفُ مَوَانِعِهِ - كُلِّهَا بِيَدِ اللَّهِ. لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَنَالَ مِنْهُ شَيْئًا بِدُونِ تَوْفِيقِهِ، وَإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ.

وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ: أَنَّ الْوَقْتَ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ الْأُولَى: عِبَارَةٌ عَنْ وَجْدٍ صَادِقٍ، سَبَبُهُ رُؤْيَةُ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ. لِأَنَّ رَجَاءَهُ كَانَ صَافِيًا مِنَ الْأَكْدَارِ.

قَوْلُهُ " أَوْ لِعِصْمَةٍ جَذَبَهَا صِدْقُ خَوْفٍ " اللَّامُ فِي قَوْلِهِ " أَوْ لِعِصْمَةٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّامِ فِي قَوْلِهِ " أَوْ لِإِينَاسِ ضِيَاءِ فَضْلٍ " أَيْ وَجْدٍ لِعِصْمَةٍ جَذَبَهَا صِدْقُ خَوْفٍ. فَاللَّامُ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ. بَلْ هِيَ عَلَى حَدِّهَا فِي قَوْلِكَ: ذَوْقٌ لِكَذَا، وَرُؤْيَةٌ لِكَذَا. فَمُتَعَلَّقُ الْوَجْدِ عِصْمَةٌ وَهِيَ مَنَعَةٌ وَحِفْظٌ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ. جَذَبَهَا صِدْقُ خَوْفٍ مِنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْدِ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا: أَنَّ الْوَجْدَ فِي الْأُولَى: جَذَبَهُ صِدْقُ الرَّجَاءِ. وَفِي الثَّانِيَةِ: جَذَبَهُ صِدْقُ الْخَوْفِ. وَفِي الثَّالِثَةِ - الَّتِي سَتُذْكَرُ - جَذَبَهُ صِدْقُ الْحُبِّ. فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْ لِتَلَهُّبِ شَوْقٍ جَذَبَهُ اشْتِعَالُ مَحَبَّةٍ.

وَخَدَمَتْهُ التَّوْرِيَةُ فِي اللَّهِيبِ وَالِاشْتِعَالِ. وَالْمَحَبَّةُ مَتَى قَوِيَتِ اشْتَعَلَتْ نَارُهَا فِي الْقَلْبِ. فَحَدَثَ عَنْهَا لَهِيبُ الِاشْتِيَاقِ إِلَى لِقَاءِ الْحَبِيبِ.

وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ، الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا هَذِهِ الدَّرَجَةُ - وَهِيَ: الْحُبُّ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ - هِيَ الَّتِي تَبْعَثُ عَلَى عِمَارَةِ الْوَقْتِ بِمَا هُوَ الْأَوْلَى لِصَاحِبِهِ وَالْأَنْفَعُ لَهُ، وَهِيَ أَسَاسُ السُّلُوكِ، وَالسَّيْرِ إِلَى اللَّهِ. وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الثَّلَاثَةَ فِي قَوْلِهِ {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: ٥٧] وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ قُطْبُ رَحَى الْعُبُودِيَّةِ. وَعَلَيْهَا دَارَتْ رَحَى الْأَعْمَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الْمَعْنَى الثَّانِي اسْمٌ لِطَرِيقِ سَالِكٍ]

فَصْلٌ

قَالَ: وَالْمَعْنَى الثَّانِي: اسْمٌ لِطَرِيقِ سَالِكٍ. يَسِيرُ بَيْنَ تَمَكُّنٍ وَتَلَوُّنٍ، لَكِنَّهُ إِلَى التَّمَكُّنِ مَا هُوَ. يَسْلُكُ الْحَالَ، وَيَلْتَفِتُ إِلَى الْعِلْمِ. فَالْعِلْمُ يَشْغَلُهُ فِي حِينٍ، وَالْحَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>