للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْمِلُهُ فِي حِينٍ. فَبَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا: يُذِيقُهُ شُهُودًا طَوْرًا. وَيَكْسُوهُ عِبْرَةً طَوْرًا، وَيُرِيهِ غَيْرَةَ تَفَرُّقٍ طَوْرًا.

هَذَا الْمَعْنَى: هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي مِنَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ مِنْ مَعَانِي الْوَقْتِ عِنْدَهُ.

قَوْلُهُ " اسْمٌ لِطَرِيقِ سَالِكٍ " هُوَ عَلَى الْإِضَافَةِ. أَيْ لِطَرِيقِ عَبْدٍ سَالِكٍ.

قَوْلُهُ " يَسِيرُ بَيْنَ تَمَكُّنٍ وَتَلَوُّنٍ " أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدُ يَسِيرُ بَيْنَ تَمَكُّنٍ وَتَلَوُّنٍ. وَالتَّمَكُّنُ هُوَ الِانْقِيَادُ إِلَى أَحْكَامِ الْعُبُودِيَّةِ بِالشُّهُودِ وَالْحَالِ، وَالتَّلَوُّنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَاصَّةً: هُوَ الِانْقِيَادُ إِلَى أَحْكَامِ الْعُبُودِيَّةِ بِالْعِلْمِ. فَالْحَالُ يَجْمَعُهُ بِقُوَّتِهِ وَسُلْطَانِهِ. فَيُعْطِيهِ تَمْكِينًا. وَالْعِلْمُ بِلَوْنِهِ بِحَسَبِ مُتَعَلَّقَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ.

قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ إِلَى التَّمَكُّنِ مَا هُوَ؟ يَسْلُكُ الْحَالَ. وَيَلْتَفِتُ إِلَى الْعِلْمِ.

يَعْنِي: أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ هُوَ سَالِكٌ إِلَى التَّمَكُّنِ مَا دَامَ يَسْلُكُ الْحَالَ وَيَلْتَفِتُ إِلَى الْعِلْمِ. فَأَمَّا إِنْ سَلَكَ الْعِلْمَ، وَالْتَفَتَ إِلَى الْحَالِ: لَمْ يَكُنْ سَالِكًا إِلَى التَّمَكُّنِ.

فَالسَّالِكُونَ ضَرْبَانِ: سَالِكُونَ عَلَى الْحَالِ، مُلْتَفِتُونَ إِلَى الْعِلْمِ. وَهُمْ إِلَى التَّمَكُّنِ أَقْرَبُ، وَسَالِكُونَ عَلَى الْعِلْمِ. مُلْتَفِتُونَ إِلَى الْحَالِ. وَهُمْ إِلَى التَّلَوُّنِ أَقْرَبُ. هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ.

وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ: هِيَ الْمُفَرِّقَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْحَالِ، حَتَّى كَأَنَّهُمَا غَيْرَانِ وَحِزْبَانِ، وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهُمَا لَا تَأْنَسُ بِالْأُخْرَى، وَلَا تُعَاشِرُهَا إِلَّا عَلَى إِغْمَاضٍ وَنَوْعِ اسْتِكْرَاهٍ.

وَهَذَا مِنْ تَقْصِيرِ الْفَرِيقَيْنِ، حَيْثُ ضَعُفَ أَحَدُهُمَا عَنِ السَّيْرِ فِي الْعِلْمِ. وَضَعُفَ الْآخَرُ عَنِ الْحَالِ فِي الْعِلْمِ. فَلَمْ يَتَمَكَّنْ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَالِ وَالْعِلْمِ. فَأَخَذَ هَؤُلَاءِ الْعِلْمَ، وَسَعَتَهُ وَنُورَهُ. وَرَجَّحُوهُ. وَأَخَذَ هَؤُلَاءِ الْحَالَ وَسُلْطَانَهُ وَتَمْكِينَهُ وَرَجَّحُوهُ. وَصَارَ الصَّادِقُ الضَّعِيفُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ: يَسِيرُ بِأَحَدِهِمَا مُلْتَفِتًا إِلَى الْآخَرِ.

فَهَذَا مُطِيعٌ لِلْحَالِ. وَهَذَا مُطِيعٌ لِلْعِلْمِ. لَكِنَّ الْمُطِيعَ لِلْحَالِ مَتَى عَصَى بِهِالْعَلَمَ: كَانَ مُنْقَطِعًا مَحْجُوبًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنَ الْحَالِ مَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ. وَالْمُطِيعُ لِلْعِلْمِ مَتَى أَعْرَضَ بِهِ عَنِ الْحَالِ كَانَ مُضَيِّعًا مَنْقُوصًا، مُشْتَغِلًا بِالْوَسِيلَةِ عَنِ الْغَايَةِ.

وَصَاحِبُ التَّمْكِينِ: يَتَصَرَّفُعِلْمُهُ فِي حَالِهِ. وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ فَيَنْقَادُ لِحُكْمِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>