للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَى الْعَبْدِ. وَهَذِهِ تُعْرَفُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَيْضًا.

أَحَدُهَا: أَنْ تَسْبِقَ مَحَبَّتُهُ إِلَى الْقَلْبِ كُلَّ مَحَبَّةٍ. فَتَتَقَدَّمَ مَحَبَّتُهُ الْمَحَابَّ كُلَّهَا.

الثَّانِي: أَنْ تَقْهَرَ مَحَبَّتُهُ كُلَّ مَحَبَّةٍ. فَتَكُونَ مَحَبَّتُهُ إِلَى الْقَلْبِ سَابِقَةً قَاهِرَةً، وَمَحَبَّةُ غَيْرِهِ مُتَخَلِّفَةً مَقْهُورَةً مَغْلُوبَةً مُنْطَوِيَةً فِي مَحَبَّتِهِ.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مَحَبَّةُ غَيْرِهِ تَابِعَةً لِمَحَبَّتِهِ. فَيَكُونَ هُوَ الْمَحْبُوبَ بِالذَّاتِ وَالْقَصْدَ الْأَوَّلَ. وَغَيْرُهُ مَحُبُوبًا تَبَعًا لِحُبِّهِ. كَمَا يُطَاعُ تَبَعًا لِطَاعَتِهِ. فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الْمُطَاعُ الْمَحْبُوبُ.

وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي كَوْنِهِ أَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِالتَّعْظِيمِ وَالطَّاعَةِ أَيْضًا.

فَالْحَاصِلُ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَحْدَهُ الْمَحْبُوبَ الْمُعَظَّمَ الْمُطَاعَ. فَمَنْ لَمْ يُحِبَّهُ وَلَمْ يُطِعْهُ. وَلَمْ يُعَظِّمْهُ: فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ عَلَيْهِ. وَمَتَى أَحَبَّ مَعَهُ سِوَاهُ، وَعَظَّمَ مَعَهُ سِوَاهُ، وَأَطَاعَ مَعَهُ سِوَاهُ: فَهُوَ مُشْرِكٌ. وَمَتَى أَفْرَدَهُ وَحْدَهُ بِالْحُبِّ وَالتَّعْظِيمِ وَالطَّاعَةِ فَهُوَ عَبْدٌ مُوَحِّدٌ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ]

فَصْلٌ

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: الرِّضَا عَنِ اللَّهِ. وَبِهَذَا نَطَقَتْ آيَاتُ التَّنْزِيلِ. وَهُوَ الرِّضَا عَنْهُ فِي كُلِّ مَا قَضَى وَقَدَّرَ. وَهَذَا مِنْ أَوَائِلِ مَسَالِكِ أَهْلِ الْخُصُوصِ.

الشَّيْخُ جَعَلَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ أَعْلَى مِنَ الدَّرَجَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَوَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بِالدَّرَجَةِ الْأُولَى. فَإِذَا اسْتَقَرَّ قَدَمُهُ عَلَيْهَا دَخَلَ فِي مَقَامِ الْإِسْلَامِ.

وَأَمَّا هَذِهِ الدَّرَجَةُ: فَمِنْ مُعَامَلَاتِ الْقُلُوبِ. وَهِيَ لِأَهْلِ الْخُصُوصِ. وَهِيَ الرِّضَا عَنْهُ فِي أَحْكَامِهِ وَأَقْضِيَتِهِ.

وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَوَّلِ مَسَالِكِ أَهْلِ الْخُصُوصِ لِأَنَّهُ مُقَدِّمَةٌ لِلْخُرُوجِ عَنِ النَّفْسِ، وَالَّذِي هُوَ طَرِيقُ أَهْلِ الْخُصُوصِ، فَمُقَدِّمَتُهُ بِدَايَةُ سُلُوكِهِمْ. لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ خُرُوجَ الْعَبْدِ عَنْ حُظُوظِهِ، وَوُقُوفَهُ مَعَ مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. لَا مَعَ مُرَادِ نَفْسِهِ.

هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ. وَفِي جَعْلِهِ هَذِهِ الدَّرَجَةَ أَعْلَى مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَهُوَ نَظِيرُ جَعْلِهِ الصَّبْرَ بِاللَّهِ أَعْلَى مِنَ الصَّبْرِ لِلَّهِ.

وَالَّذِي يَنْبَغِي: أَنْ تَكُونَ الدَّرَجَةُ الْأَوْلَى أَعْلَى شَأْنًا وَأَرْفَعَ قَدْرًا. فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ وَهَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>