نُصِيبٌ مِنْهَا بِحَسَبِ اقْتِرَانِ الشَّيَاطِينِ بِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ لَهُمْ، وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ.
وَقَوْلُهُ: وَمَا ضَاهَأَهَا أَيْ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ جِنْسِ الْخَطِّ بِالرَّمْلِ، وَضَرْبِ الْحَصَا وَالْوَدَعِ، وَزَجْرِ الطَّيْرِ، الَّذِي يُسَمُّونَهُ السَّانِحَ وَالْبَارِحَ، وَالْقُرْعَةِ الشِّرْكِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ، وَالِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوسُ الْجَاهِلِيَّةُ الْمُشْرِكَةُ الَّتِي عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرٌ وَبَوَارٌ.
وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمْ تُشِرْ عَنْ عَيْنٍ.
أَيْ عَنْ عَيْنِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي لَا يَصْدُرُ عَنْهَا إِلَّا حَقٌّ. يَعْنِي غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تَصْدُرْ عَنْ عِلْمٍ.
يَعْنِي أَنَّهَا ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ، لَا عَنْ عِلْمٍ وَيَقِينٍ. وَصَاحِبُهَا دَائِمًا فِي شَكٍّ. لَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تُسَقْ بِوُجُودٍ.
أَيْ لَمْ يَسُقْهَا وُجُودُ الْحَقِيقَةِ لِصَاحِبِهَا، بَلْ هُوَ فَارِغٌ بَوٌّ غَيْرُ وَاجِدٍ، بَلْ فَاقِدٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْوُجُودِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ فِرَاسَةٌ تُجْنَى عَنْ غَرْسِ الْإِيمَانِ]
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: فِرَاسَةٌ تُجْنَى عَنْ غَرْسِ الْإِيمَانِ. وَتَطْلُعُ مِنْ صِحَّةِ الْحَالِ. وَتَلْمَعُ مِنْ نُورِ الْكَشْفِ.
هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْفِرَاسَةِ: مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ. وَلِذَلِكَ قَالَ: تُجْنَى مِنْ غَرْسِ الْإِيمَانِ وَشَبَّهَ الْإِيمَانَ بِالْغَرْسِ، لِأَنَّهُ يَزْدَادُ وَيَنْمُو، وَيَزْكُو عَلَى السَّقْيِ. وَيُؤْتِي أُكُلَهُ كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهِ. وَأَصْلُهُ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ. وَفُرُوعُهُ فِي السَّمَاءِ، فَمَنْ غَرَسَ الْإِيمَانَ فِي أَرْضِ قَلْبِهِ الطَّيِّبَةِ الزَّاكِيَةِ، وَسَقَى ذَلِكَ الْغِرَاسَ بِمَاءِ الْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ وَالْمُتَابَعَةِ: كَانَ مِنْ بَعْضِ ثَمَرِهِ هَذِهِ الْفِرَاسَةُ.
قَوْلُهُ: وَتَطْلُعُ مِنْ صِحَّةِ الْحَالِ
يَعْنِي: أَنَّ صِدْقَ الْفِرَاسَةِ مَنْ صِدْقِ الْحَالِ. فَكُلَّمَا كَانَ الْحَالُ أَصْدَقَ وَأَصَحَّ فَالْفِرَاسَةُ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: وَتَلْمَعُ مِنْ نُورِ الْكَشْفِ
يَعْنِي أَنَّ نُورَ الْكَشْفِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُولِّدُ الْفِرَاسَةَ، بَلْ أَصْلُهَا نُورُ الْكَشْفِ.