للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: ١٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا لَكُمْ لَا تُعَظِّمُونَ اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ؟ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً.

قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَالرَّجَاءُ بِمَعْنَى الْمَخُوفِ. وَالْوَقَارُ الْعَظَمَةُ. اسْمٌ مِنَ التَّوْقِيرِ. وَهُوَ التَّعْظِيمُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تَعْرِفُونَ لِلَّهِ حَقًّا، وَلَا تَشْكُرُونَ لَهُ نِعْمَةً.

وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: لَا تَرْجُونَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ أَنْ يُثِيبَكُمْ عَلَى تَوْقِيرِكُمْ إِيَّاهُ خَيْرًا.

وَرُوحُ الْعِبَادَةِ: هُوَ الْإِجْلَالُ وَالْمَحَبَّةُ. فَإِذَا تَخَلَّى أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ فَسَدَتْ. فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهَذَيْنِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَحْبُوبِ الْمُعَظَّمِ. فَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْحَمْدِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ دَرَجَاتُ التَّعْظِيمِ]

[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَعْظِيمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ]

فَصْلٌ

قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ " رَحِمَهُ اللَّهُ:

التَّعْظِيمُ: مَعْرِفَةُ الْعَظَمَةِ، مَعَ التَّذَلُّلِ لَهَا. وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الْأُولَى: تَعْظِيمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَهُوَ أَنْ لَا يُعَارَضَا بِتَرَخُّصٍ جَافٍّ. وَلَا يُعَرَّضَا لِتَشَدُّدٍ غَالٍ. وَلَا يُحْمَلَا عَلَى عِلَّةٍ تُوهِنُ الِانْقِيَادَ.

هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، تُنَافِي تَعْظِيمَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.

أَحَدُهَا: التَّرَخُّصُ الَّذِي يَجْفُو بِصَاحِبِهِ عَنْ كَمَالِ الِامْتِثَالِ.

وَالثَّانِي: الْغُلُوُّ الَّذِي يَتَجَاوَزُ بِصَاحِبِهِ حُدُودَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.

فَالْأَوَّلُ: تَفْرِيطٌ. وَالثَّانِي: إِفْرَاطٌ.

وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَمْرٍ إِلَّا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَزْعَتَانِ: إِمَّا إِلَى تَفْرِيطٍ وَإِضَاعَةٍ، وَإِمَّا إِلَى إِفْرَاطٍ وَغُلُوٍّ. وَدِينُ اللَّهِ وَسَطٌ بَيْنَ الْجَافِي عَنْهُ وَالْغَالِي فِيهِ. كَالْوَادِي بَيْنَ جَبَلَيْنِ. وَالْهُدَى بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>