للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَأْنُ عُقَلَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَرُؤَسَائِهِمْ: إِذَا مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مَا يَسُرُّهُمْ وَيُبْسِطُهُمْ وَيُهَيِّجُ أَفْرَاحَهُمْ، قَابَلُوهُ بِالسُّكُونِ وَالثَّبَاتِ وَالِاسْتِقْرَارِ، حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَهْجُمْ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي مَدْحِ الْمُهَاجِرِينَ:

لَيْسُوا مَفَارِيحَ إِنْ نَالَتْ رِمَاحُهُمُ ... قَوْمًا. وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إِذَا نِيلُوا

[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ ذُهُولٌ مَعَ صُحْبَةِ الِاسْتِقَامَةِ]

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: ذُهُولٌ مَعَ صُحْبَةِ الِاسْتِقَامَةِ. وَمُلَازَمَةِ الرِّعَايَةِ عَلَى تَهْذِيبِ الْأَدَبِ.

الذُّهُولُ هَاهُنَا: الْغَيْبَةُ فِي الْمُشَاهَدَةِ بِالْحَالِ الْغَالِبِ، الْمُذْهِلِ لِصَاحِبِهِ عَنِ الْتِفَاتِهِ إِلَى غَيْرِهِ. وَهَذَا إِنَّمَا يَنْفَعُ إِذَا كَانَ مَصْحُوبًا بِالِاسْتِقَامَةِ. وَهِيَ حِفْظُ حُدُودِ الْعِلْمِ، وَالْوُقُوفُ مَعَهَا، وَعَدَمُ إِضَاعَتِهَا. وَإِلَّا فَأَحْسَنُ أَحْوَالِ هَذَا الذَّاهِلِ: أَنْ يَكُونَ كَالْمَجْنُونِ الَّذِي رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمَ. فَلَا يُقْتَدَى بِهِ. وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ الِاسْتِقَامَةَ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ سَبَبُ الذُّهُولِ الْمُخْرِجَ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ، بِاسْتِدْعَائِهِ وَتَكَلُّفِهِ وَإِرَادَتِهِ: فَهُوَ عَاصٍ مُفَرِّطٌ، مُضَيِّعٌ لِأَمْرِ اللَّهِ. لَهُ حُكْمُ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُفَرِّطِينَ.

وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَقُولُ: مَتَى كَانَ السَّبَبُ مَحْظُورًا. لَمْ يَكُنِ السَّكْرَانُ مَعْذُورًا.

وَقَوْلُهُ: وَمُلَازَمَةُ الرِّعَايَةِ عَلَى تَهْذِيبِ الْأَدَبِ.

يُرِيدُ بِهِ: مُلَازَمَتَهُ رِعَايَةَ حُقُوقِ اللَّهِ مَعَ التَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ. فَلَا يُخْرِجُهُ ذُهُولٌ عَنِ اسْتِقَامَتِهِ. وَلَا عَنْ رِعَايَةِ حُقُوقِ سَيِّدِهِ، وَلَا عَنِ الْوُقُوفِ بِالْأَدَبِ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْأَدَبِ]

[تَعْرِيفُ الْأَدَبِ]

فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْأَدَبِ

وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] مَنْزِلَةُ الْأَدَبِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: ٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَدِّبُوهُمْ وَعَلِّمُوهُمْ.

وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مُؤْذِنَةٌ بِالِاجْتِمَاعِ. فَالْأَدَبُ: اجْتِمَاعُ خِصَالِ الْخَيْرِ فِي الْعَبْدِ، وَمِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>