عِنْدَهُمْ. وَهِيَ مَوْهِبِيَّةٌ لَا كَسَبِيَّةٌ. لَكِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَعَرَّضَ وَصَدَقَ فِي الطَّلَبِ: رُجِيَ لَهُ الظَّفَرُ بِمَطْلُوبِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ مَدَارُ حُسْنِ الْخُلُقِ مَعَ الْحَقِّ]
فَصْلٌ
وَمَدَارُ حُسْنِ الْخُلُقِ مَعَ الْحَقِّ، وَمَعَ الْخَلْقِ: عَلَى حَرْفَيْنِ. ذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْقَادِرِ الْكِيلَانِيُّ فَقَالَ: كُنْ مَعَ الْحَقِّ بِلَا خَلْقٍ. وَمَعَ الْخَلْقِ بِلَا نَفْسٍ.
فَتَأَمَّلْ. مَا أَجَلَّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، مَعَ اخْتِصَارِهِمَا، وَمَا أَجْمَعَهُمَا لِقَوَاعِدِ السُّلُوكِ وَلِكُلِّ خُلُقٍ جَمِيلٍ؟ وَفَسَادُ الْخُلُقِ إِنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ تَوَسُّطِ الْخَلْقِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَتَوَسُّطِ النَّفْسِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ خَلْقِهِ. فَمَتَى عَزَلْتَ الْخَلْقَ - حَالَ كَوْنِكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى - وَعَزَلْتَ النَّفْسَ - حَالَ كَوْنِكَ مَعَ الْخَلْقِ - فَقَدْ فُزْتَ بِكُلِّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَوْمُ. وَشَمَّرُوا إِلَيْهِ. وَحَامُوا حَوْلَهُ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّوَاضِعِ]
[التَّوَاضُعُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّوَاضِعِ
وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] مَنْزِلَةُ التَّوَاضُعِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣] أَيْ سَكِينَةً وَوَقَارًا مُتَوَاضِعِينَ، غَيْرَ أَشِرِينَ، وَلَا مَرِحِينَ وَلَا مُتَكَبِّرِينَ. قَالَ الْحَسَنُ: عُلَمَاءُ حُلَمَاءُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ: أَصْحَابُ وَقَارٍ وَعِفَّةٍ لَا يَسْفَهُونَ. وَإِنْ سُفِهَ عَلَيْهِمْ حَلُمُوا.
وَالْهَوْنُ بِالْفَتْحِ فِي اللُّغَةِ: الرِّفْقُ وَاللِّينُ. وَالْهُونُ بِالضَّمِّ: الْهَوَانُ. فَالْمَفْتُوحُ مِنْهُ: صِفَةُ أَهْلِ الْإِيمَانِ. وَالْمَضْمُومُ: صِفَةُ أَهْلِ الْكُفْرَانِ. وَجَزَاؤُهُمْ مِنَ اللَّهِ النِّيرَانُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: ٥٤] .
لَمَّا كَانَ الذُّلُّ مِنْهُمْ ذُلَّ رَحْمَةٍ وَعَطْفٍ وَشَفَقَةٍ وَإِخْبَاتٍ عَدَّاهُ بِأَدَاةِ عَلَى تَضْمِينًا لِمَعَانِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ. فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ ذُلَّ الْهَوَانِ الَّذِي صَاحِبُهُ ذَلِيلٌ. وَإِنَّمَا هُوَ ذُلُّ اللِّينِ وَالِانْقِيَادِ الَّذِي صَاحِبُهُ ذَلُولٌ، فَالْمُؤْمِنُ ذَلُولٌ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ «الْمُؤْمِنِ كَالْجَمَلِ الذَّلُولِ. وَالْمُنَافِقُ