وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَسْهَلَ مِنَ الْوَرَعِ، مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ فَاتْرُكْهُ.
وَقَالَ سَهْلٌ: الْحَلَالُ هُوَ الَّذِي لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ، وَالصَّافِي مِنْهُ الَّذِي لَا يُنْسَى اللَّهُ فِيهِ، وَسَأَلَ الْحَسَنُ غُلَامًا. فَقَالَ لَهُ: مَا مِلَاكُ الدِّينِ؟ قَالَ: الْوَرَعُ. قَالَ: فَمَا آفَتُهُ؟ قَالَ: الطَّمَعُ. فَعَجِبَ الْحَسَنُ مِنْهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْوَرَعِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ مِثْقَالٍ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: جُلَسَاءُ اللَّهِ غَدًا أَهْلُ الْوَرَعِ وَالزُّهْدِ.
وَقَالَ بَعْضَ السَّلَفِ: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: كُنَّا نَدَعُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ أَنْ نَقَعَ فِي بَابٍ مِنَ الْحَرَامِ.
[فَصْلٌ تَعْرِيفُ ابْنِ الْقَيِّمِ لِلْوَرَعِ]
فَصْلٌ
قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ ":
الْوَرَعُ تَوْقٌ مُسْتَقْصًى عَلَى حَذَرٍ. وَتَحَرُّجٌ عَلَى تَعْظِيمٍ.
يَعْنِي أَنْ يَتَوَقَّى الْحَرَامَ وَالشُّبَهَ، وَمَا يَخَافُ أَنْ يَضُرَّهُ أَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ مِنَ التَّوَقِّي؛ لِأَنَّ التَّوَقِّيَ وَالْحَذَرَ مُتَقَارِبَانِ. إِلَّا أَنَّ التَّوَقِّيَ فِعْلُ الْجَوَارِحِ. وَالْحَذَرُ فِعْلُ الْقَلْبِ. فَقَدْ يَتَوَقَّى الْعَبْدُ الشَّيْءَ لَا عَلَى وَجْهِ الْحَذَرِ وَالْخَوْفِ. وَلَكِنْ لِأُمُورٍ أُخْرَى مِنْ إِظْهَارِ نَزَاهَةٍ، وَعِزَّةٍ وَتَصَوُّفٍ، أَوِ اعْتِرَاضٍ آخَرَ، كَتَوَقِّي الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِمَعَادٍ، وَلَا جَنَّةٍ وَلَا نَارٍ مَا يَتَوَقَّوْنَهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالدَّنَاءَةِ، تَصَوُّنًا عَنْهَا، وَرَغْبَةً بِنُفُوسِهِمْ عَنْ مُوَاقَعَتِهَا، وَطَلَبًا لِلْمَحْمَدَةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: " أَوْ تَحَرُّجٌ عَلَى تَعْظِيمٍ " يَعْنِي أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الْوَرَعِ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالشُّبَهِ إِمَّا حَذَرُ حُلُولِ الْوَعِيدِ، وَإِمَّا تَعْظِيمُ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَإِجْلَالًا لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمَا نَهَى عَنْهُ.
فَالْوَرَعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ: إِمَّا تَخَوُّفٌ، أَوْ تَعْظِيمٌ. وَاكْتَفَى بِذِكْرِ التَّعْظِيمِ عَنْ ذِكْرِ الْحُبِّ