للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ التَّفْرِيدُ]

[حَدُّ التَّفْرِيدِ]

قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: " بَابُ التَّفْرِيدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: ٢٥] التَّفْرِيدُ: اسْمٌ لِتَخْلِيصِ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَقِّ، ثُمَّ بِالْحَقِّ، ثُمَّ عَنِ الْحَقِّ ".

الشَّيْخُ جَعَلَ التَّفْرِيدَ عَيْنَ التَّجْرِيدِ وَجَعَلَهُ بَعْدَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ التَّجْرِيدَ انْقِطَاعٌ عَنِ الْأَغْيَارِ، وَالتَّفْرِيدَ إِفْرَادُ الْحَقِّ بِالْإِيثَارِ، فَالتَّفْرِيدُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْبُودِ، وَالتَّجْرِيدُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَجَعَلَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ: تَخْلِيصُ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَقِّ، ثُمَّ بِهِ، ثُمَّ عَنْهُ، فَهَاهُنَا أَمْرَانِ، أَحَدُهُمَا: تَخْلِيصُ الْإِشَارَةِ، وَالثَّانِي: مُتَعَلِّقُ الْإِشَارَةِ.

فَأَمَّا تَخْلِيصُهَا: فَهُوَ تَجْرِيدُهَا مِمَّا يُمَازِجُهَا وَيُخَالِطُهَا، وَأَمَّا مُتَعَلِّقُهَا، فَثَلَاثَةُ أُمُورٍ: الْإِشَارَةُ إِلَى الْحَقِّ، وَبِهِ، وَعَنْهُ، فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ: غَايَةٌ، وَالْإِشَارَةُ بِهِ: وُجُودٌ، وَالْإِشَارَةُ عَنْهُ: إِخْبَارٌ وَتَبْلِيغٌ، فَمَنْ خَلَصَتْ إِشَارَتُهُ إِلَى الْحَقِّ كَانَ مِنَ الْمُخْلَصِينَ، وَمَنْ كَانَتْ إِشَارَتُهُ بِهِ فَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ، وَمَنْ كَانَتْ إِشَارَتُهُ عَنْهُ فَهُوَ مِنَ الْمُبَلِّغِينَ، وَمَنِ اجْتَمَعَتْ لَهُ الثَّلَاثَةُ فَهُوَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعَارِفِينَ، فَالْكَمَالُ أَنْ تُشِيرَ إِلَيْهِ بِهِ عَنْهُ، فَتَخْلِيصُ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ هُوَ حَقِيقَةُ الْمُتَابَعَةِ، وَذَلِكَ هُوَ مَحْضُ الصِّدِّيقِيَّةِ، فَمَتَى اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي الْعَبْدِ، فَقَدْ خُلِعَتْ عَلَيْهِ خِلْعَةُ الصِّدِّيقِيَّةِ، فَمَا كُلُّ مَنْ أَشَارَ إِلَى اللَّهِ أَشَارَ بِهِ، وَلَا كُلُّ مَنْ أَشَارَ بِهِ أَشَارَ عَنْهُ، وَالرُّسُلُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - أَجْمَعِينَ - هُمُ الَّذِينَ كَمَّلُوا الْمَرَاتِبَ الثَّلَاثَةَ، فَخَلَصَتْ إِشَارَتُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَبِهِ وَعَنْهُ مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>