للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ، حَتَّى وَارَى التُّرَابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ. وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَةِ» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

اللهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلْنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

إِنَّ الْأُولَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

وَفِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةُ إِنِّي بَاعِثٌ نَبِيًّا أُمِّيًا، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا مُتَزَيِّنٍ بِالْفُحْشِ، وَلَا قَوَّالٍ لِلْخَنَا. أُسَدِّدُهُ لِكُلِّ جَمِيلٍ. وَأَهَبُ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ. ثُمَّ أَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ، وَالْبَرَّ شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ. وَالْحِكْمَةَ مَعْقُولَهُ، وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَفْوَ وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ. وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ، وَالْهُدَى إِمَامَهُ، وَالْإِسْلَامَ مِلَّتَهُ، وَأَحْمَدَ اسْمَهُ.

[فَصْلٌ تَعْرِيفُ السَّكِينَةِ]

فَصْلٌ

قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ ":

السَّكِينَةُ: اسْمٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ. أَوَّلُهَا: سَكِينَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي أُعْطُوهَا فِي التَّابُوتِ. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: هِيَ رِيحٌ هَفَّافَةٌ. وَذَكَرُوا صِفَتَهَا

قُلْتُ: اخْتَلَفُوا: هَلْ هِيَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، أَوْ مَعْنًى؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عَيْنٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ فِي صِفَتِهَا فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ. لَهَا رَأْسَانِ وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ وَيُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ: إِنَّهَا صُورَةُ هِرَّةٍ لَهَا جَنَاحَانِ، وَعَيْنَانِ لَهُمَا شُعَاعٌ. وَجَنَاحَانِ مِنْ زُمُرُّدٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَإِذَا سَمِعُوا صَوْتَهَا أَيْقَنُوا بِالنَّصْرِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ طَسْتٌ مِنْ ذَهَبِ الْجَنَّةِ. كَانَ يُغْسَلُ فِيهِ قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ.

وَعَنْ وَهُبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: هِيَ رُوحٌ مِنْ رُوحِ اللَّهِ تَتَكَلَّمُ. إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَخْبَرَتْهُمْ بِبَيَانِ مَا يُرِيدُونَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَعْنًى. وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ٢٤٨] أَيْ وَمَجِيئُهُ إِلَيْكُمْ: سَكِينَةٌ لَكُمْ وَطُمَأْنِينَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>