للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَالًا، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ تَعَالَى مَحَبَّتَهُ لِلتَّوَّابِينَ إِلَّا وَهُمْ خَوَاصُّ الْخَلْقِ لَدَيْهِ.

وَلَوْلَا أَنَّ التَّوْبَةَ اسْمٌ جَامِعٌ لِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ لَمْ يَكُنِ الرَّبُّ تَعَالَى يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ ذَلِكَ الْفَرَحَ الْعَظِيمَ، فَجَمِيعُ مَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْمَقَامَاتِ وَالْأَحْوَالِ هُوَ تَفَاصِيلُ التَّوْبَةِ وَآثَارُهَا.

[فَصْلٌ الِاسْتِغْفَارُ]

وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَهُوَ نَوْعَانِ: مُفْرَدٌ، وَمَقْرُونٌ بِالتَّوْبَةِ، فَالْمُفْرَدُ: كَقَوْلِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: ١٠] وَكَقَوْلِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: ٤٦] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩] وَقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: ٣٣] وَالْمَقْرُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: ٣] وَقَوْلِ هُودٍ لِقَوْمِهِ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: ٥٢] وَقَوْلِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: ٦١] وَقَوْلِ شُعَيْبٍ {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: ٩٠] فَالِاسْتِغْفَارُ الْمُفْرَدُ كَالتَّوْبَةِ، بَلْ هُوَ التَّوْبَةُ بِعَيْنِهَا، مَعَ تَضَمُّنِهِ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ مَحْوُ الذَّنْبِ، وَإِزَالَةُ أَثَرِهِ، وَوِقَايَةُ شَرِّهِ، لَا كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا السَّتْرُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَسْتُرُ عَلَى مَنْ يَغْفِرُ لَهُ وَمَنْ لَا يَغْفِرُ لَهُ، وَلَكِنَّ السَّتْرَ لَازِمُ مُسَمَّاهَا أَوْ جُزْؤُهُ، فَدَلَالَتُهَا عَلَيْهِ إِمَّا بِالتَّضَمُّنِ وَإِمَّا بِاللُّزُومِ.

وَحَقِيقَتُهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ، وَمِنْهُ الْمِغْفَرُ، لِمَا يَقِي الرَّأْسَ مِنَ الْأَذَى، وَالسَّتْرُ لَازِمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>