للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَكَلِّمُ بِمِلْءِ فِيهِ تَفَاصُحًا وَتَعَاظُمًا وَتَطَاوُلًا، وَإِظْهَارًا لِفَضْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ. وَأَصْلُهُ مِنَ الْفَهْقِ. وَهُوَ الِامْتِلَاءُ.

[فَصْلٌ الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ]

فَصْلٌ

الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ. فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ: زَادَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ. وَكَذَلِكَ التَّصَوُّفُ.

قَالَ الْكِنَانِيُّ: التَّصَوُّفُ هُوَ الْخُلُقُ، فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ: فَقَدْ زَادَ عَلَيْكَ فِي التَّصَوُّفِ.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ بَذْلُ النَّدَى، وَكَفُّ الْأَذَى، وَاحْتِمَالُ الْأَذَى.

وَقِيلَ: حُسْنُ الْخُلُقِ: بَذْلُ الْجَمِيلِ، وَكَفُّ الْقَبِيحِ.

وَقِيلَ: التَّخَلِّي مِنَ الرَّذَائِلِ، وَالتَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ.

وَحُسْنُ الْخُلُقِ يَقُومُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ قِيَامُ سَاقِهِ إِلَّا عَلَيْهَا: الصَّبْرُ، وَالْعِفَّةُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالْعَدْلُ.

فَالصَّبْرُ: يَحْمِلُهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَكَفِّ الْأَذَى، وَالْحِلْمِ وَالْأَنَاةِ وَالرِّفْقِ، وَعَدَمِ الطَّيْشِ وَالْعَجَلَةِ.

وَالْعِفَّةُ: تَحْمِلُهُ عَلَى اجْتِنَابِ الرَّذَائِلِ وَالْقَبَائِحِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَتَحْمِلُهُ عَلَى الْحَيَاءِ. وَهُوَ رَأْسُ كُلِّ خَيْرٍ. وَتَمْنَعُهُ مِنَ الْفَحْشَاءِ، وَالْبُخْلِ وَالْكَذِبِ، وَالْغَيْبَةِ وَالنَّمِيمَةِ.

وَالشَّجَاعَةُ: تَحْمِلُهُ عَلَى عِزَّةِ النَّفْسِ، وَإِيثَارِ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَالشِّيَمِ، وَعَلَى الْبَذْلِ وَالنَّدَى، الَّذِي هُوَ شَجَاعَةُ النَّفْسِ وَقُوَّتُهَا عَلَى إِخْرَاجِ الْمَحْبُوبِ وَمُفَارَقَتِهِ. وَتَحْمِلُهُ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ وَالْحِلْمِ. فَإِنَّهُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ وَشَجَاعَتِهَا يُمْسِكُ عِنَانَهَا، وَيَكْبَحُهَا بِلِجَامِهَا عَنِ النَّزْغِ وَالْبَطْشِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ: الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» وَهُوَ حَقِيقَةُ الشَّجَاعَةِ، وَهِيَ مَلَكَةٌ يَقْتَدِرُ بِهَا الْعَبْدُ عَلَى قَهْرِ خَصْمِهِ.

وَالْعَدْلُ: يَحْمِلُهُ عَلَى اعْتِدَالِ أَخْلَاقِهِ، وَتَوَسُّطِهِ فِيهَا بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ. فَيَحْمِلُهُ عَلَى خُلُقِ الْجُودِ وَالسَّخَاءِ الَّذِي هُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الذُّلِّ وَالْقِحَةِ. وَعَلَى خُلُقِ الشَّجَاعَةِ، الَّذِي هُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الْجُبْنِ وَالتَّهَوُّرِ. وَعَلَى خُلُقِ الْحِلْمِ، الَّذِي هُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الْغَضَبِ وَالْمَهَانَةِ وَسُقُوطِ النَّفْسِ.

وَمَنْشَأُ جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>