للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا حِكْمَةَ لِجَاهِلٍ، وَلَا طَائِشٍ، وَلَا عَجُولٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَشْهَدَ نَظَرَ اللَّهِ فِي وَعْدِهِ]

فَصْلٌ

قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَشْهَدَ نَظَرَ اللَّهِ فِي وَعْدِهِ. وَتَعْرِفَ عَدْلَهُ فِي حُكْمِهِ. وَتَلْحَظَ بِرَّهُ فِي مَنْعِهِ.

أَيْ تَعْرِفُ الْحِكْمَةَ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَتَشْهَدُ حُكْمَهُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ٤٠] . فَتَشْهَدُ عَدْلَهُ فِي وَعِيدِهِ، وَإِحْسَانَهُ فِي وَعْدِهِ، وَكُلٌّ قَائِمٌ بِحِكْمَتِهِ.

وَكَذَلِكَ تَعْرِفُ عَدْلَهُ فِي أَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْكَوْنِيَّةِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْخَلَائِقِ، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ فِيهَا، وَلَا حَيْفَ وَلَا جَوْرَ. وَإِنْ أَجْرَاهَا عَلَى أَيْدِي الظَّلَمَةِ. فَهُوَ أَعْدَلُ الْعَادِلِينَ. وَمَنْ جَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ هُوَ الظَّالِمُ.

وَكَذَلِكَ تَعْرِفُ بِرَّهُ فِي مَنْعِهِ.

فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يُنْقِصُ خَزَائِنَهُ الْإِنْفَاقُ، وَلَا يَغِيضُ مَا فِي يَمِينِهِ سَعَةُ عَطَائِهِ. فَمَا مَنَعَ مَنْ مَنَعَهُ فَضْلَهُ إِلَّا لِحِكْمَةٍ كَامِلَةٍ فِي ذَلِكَ. فَإِنَّهُ الْجَوَادُ الْحَكِيمُ. وَحِكْمَتُهُ لَا تُنَاقِضُ جُودَهُ. فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَضَعُ بِرَّهُ وَفَضْلَهُ إِلَّا فِي مَوْضِعِهِ وَوَقْتِهِ. بِقَدْرِ مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ. وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَفَسَدُوا وَهَلَكُوا. وَلَوْ عَلِمَ فِي الْكُفَّارِ خَيْرًا وَقَبُولًا لِنِعْمَةِ الْإِيمَانِ، وَشُكْرًا لَهُ عَلَيْهَا، وَمَحَبَّةً لَهُ وَاعْتِرَافًا بِهَا، لَهَدَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ. وَلِهَذَا لَمَّا قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ {أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: ٥٣] أَجَابَهُمْ بِقَوْلِهِ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: ٥٣] .

سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَقُولُ: هُمُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ قَدْرَ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ، وَيَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَيْهَا.

فَهُوَ سُبْحَانَهُ مَا أَعْطَى إِلَّا بِحِكْمَتِهِ. وَلَا مَنْعَ إِلَّا بِحِكْمَتِهِ، وَلَا أَضَلَّ إِلَّا بِحِكْمَتِهِ.

وَإِذَا تَأَمَّلَ الْبَصِيرُ أَحْوَالَ الْعَالَمِ وَمَا فِيهِ مِنَ النَّقْصِ: رَآهُ عَيْنَ الْحِكْمَةِ. وَمَا عَمَرَتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَّا بِحِكْمَتِهِ.

وَفِي الْحِكْمَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلنَّاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>