للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَفْلَاتِ وَالِاعْتِصَامِ مِنَ الْوَسَاوِسِ وَالشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الذِّكْرُ الْخَفِيُّ]

فَصْلٌ

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: الذِّكْرُ الْخَفِيُّ وَهُوَ الْخَلَاصُ مِنَ الْقُيُودِ وَالْبَقَاءُ مَعَ الشُّهُودِ وَلُزُومُ الْمُسَامَرَةِ.

يُرِيدُ بِالْخَفِيِّ هَاهُنَا: الذِّكْرَ بِمُجَرَّدِ الْقَلْبِ بِمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنَ الْوَارِدَاتِ، وَهَذَا ثَمَرَةُ الذِّكْرِ الْأَوَّلِ.

وَيُرِيدُ بِالْخَلَاصِ مِنَ الْقُيُودِ: التَّخَلُّصَ مِنَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ وَالْحُجُبِ الْحَائِلَةِ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ. وَالْبَقَاءُ مَعَ الشُّهُودِ: مُلَازَمَةُ الْحُضُورِ مَعَ الْمَذْكُورِ وَمُشَاهَدَةُ الْقَلْبِ لَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ.

وَلُزُومُ الْمُسَامَرَةِ: هِيَ لُزُومُ مُنَاجَاةِ الْقَلْبِ لِرَبِّهِ: تَمَلُّقًا تَارَةً، وَتَضَرُّعًا تَارَةً، وَثَنَاءً تَارَةً، وَاسْتِعْظَامًا تَارَةً. وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُنَاجَاةِ بِالسِّرِّ وَالْقَلْبِ، وَهَذَا شَأْنُ كُلُّ مُحِبٍّ وَحَبِيبِهِ، كَمَا قِيلَ:

إِذَا مَا خَلَوْنَا وَالرَّقِيبُ بِمَجْلِسٍ ... فَنَحْنُ سُكُوتٌ وَالْهَوَى يَتَكَلَّمُ

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الذِّكْرُ الْحَقِيقِيُّ]

فَصْلٌ

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: الذِّكْرُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ شُهُودُ ذِكْرِ الْحَقِّ إِيَّاكَ، وَالتَّخَلُّصُ مِنْ شُهُودِ ذِكْرِكَ، وَمَعْرِفَةُ افْتِرَاءِ الذَّاكِرِ فِي بَقَائِهِ مَعَ الذِّكْرِ.

إِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الذِّكْرُ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ حَقِيقِيًّا; لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى، وَأَمَّا نِسْبَةُ الذِّكْرِ لِلْعَبْدِ: فَلَيْسَتْ حَقِيقِيَّةً. فَذِكْرُ اللَّهِ لِعَبْدِهِ هُوَ الذِّكْرُ الْحَقِيقِيُّ، وَهُوَ شُهُودُ ذِكْرِ الْحَقِّ عَبْدَهُ وَأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِيمَنِ اخْتَصَّهُ وَأَهَّلَهُ لِلْقُرْبِ مِنْهُ وَلِذِكْرِهِ. فَجَعَلَهُ ذَاكِرًا لَهُ، فَفِي الْحَقِيقَةِ: هُوَ الذَّاكِرُ لِنَفْسِهِ بِأَنْ جَعَلَ عَبْدَهُ ذَاكِرًا لَهُ وَأَهَّلَهُ لِذِكْرِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي بَابِ التَّوْحِيدِ بِقَوْلِهِ:

تَوْحِيدُهُ إِيَّاهُ تَوْحِيدُهُ ... وَنَعْتُ مَنْ يَنْعَتُهُ لَاحِدُ

أَيْ هُوَ الَّذِي وَحَّدَ نَفْسَهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَتَوْحِيدُ الْعَبْدِ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ حَقِيقَةً، وَنِسْبَتُهُ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>