قَوْلُهُ: وَلَا يَبْلُغُ وَادِيَ الْوُجُودِ يَعْنِي: أَنَّ الْوَقْتَ الْمَذْكُورَ لَا يَبْلُغُ السَّالِكُ فِيهِ وَادِيَ الْوُجُودِ حَتَّى يَقْطَعَهُ. وَوَادِي الْوُجُودِ: هُوَ حَضْرَةُ الْجَمْعِ.
قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يَلْقَى مُؤْنَةَ الْمُعَامَلَةِ.
يَعْنِي: أَنَّ الْوَقْتَ الْمَذْكُورَ - وَهُوَ الْكَشْفُ الْمُشَارِفُ لِحَضْرَةِ الْجَمْعِ - يُخَفِّفُ عَنِ الْعَامِلِ أَثْقَالَ الْمُعَامَلَةِ، مَعَ قِيَامِهِ بِهَا أَتَمَّ الْقِيَامِ، بِحَيْثُ تَصِيرُ هِيَ الْحَامِلَةَ لَهُ. فَإِنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ عَلَى الْخَبَرِ. فَصَارَ يَعْمَلُ عَلَى الْعِيَانِ. هَذَا مُرَادُ الشَّيْخِ.
وَعِنْدَ الْمُلْحِدِ: أَنَّهُ يَفْنَى عَنِ الْمُعَامَلَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَيُرَدُّ صَاحِبُهُ إِلَى الْمُعَامَلَاتِ الْقَلْبِيَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ إِشْبَاعُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
قَوْلُهُ " وَيُصَفِّي عَنِ الْمُسَامَرَةِ " الْمُسَامَرَةُ: عِنْدَ الْقَوْمِ هِيَ الْخِطَابُ الْقَلْبِيُّ الرُّوحِيُّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ: أَنَّ تَسْمِيَتَهَا بِالْمُنَاجَاةِ أَوْلَى. فَهَذَا الْكَشْفُ يَخْلُصُ عَنِ الْمُسَامَرَةِ مِنْ ذِكْرِ غَيْرِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَمُنَاجَاتِهِ.
قَوْلُهُ: وَيَشُمُّ رَوَائِحَ الْوُجُودِ أَيْ صَاحِبُ مَقَامِ هَذَا الْوَقْتِ الْخَاصِّ: يَشُمُّ رَوَائِحَ الْوُجُودِ. وَهُوَ حَضْرَةُ الْجَمْعِ. فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا بِالْجَمْعِ وَالْوُجُودِ. وَيَعْنُونَ بِذَلِكَ: ظُهُورَ وُجُودِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ. وَفَنَاءَ وُجُودِ مَا سِوَاهُ.
وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فَنَاءَ وُجُودِ مَا سِوَاهُ بِأَحَدِ اعْتَبَارَيْنِ: إِمَّا فَنَاؤُهُ مِنْ شُهُودِ الْعَبْدِ فَلَا يَشْهَدُهُ، وَإِمَّا اضْمِحْلَالُهُ وَتَلَاشِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُجُودِ الرَّبِّ. وَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ. فَهُوَ إِلْحَادٌ وَكُفْرٌ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الصَّفَاءِ]
[حَدُّ الصَّفَاءِ]
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الصَّفَاءِ
وَمِنْهَا مَنْزِلَةُ الصَّفَاءِ.
قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ:
بَابُ الصَّفَاءِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} [ص: ٤٧] الصَّفَاءُ اسْمٌ لِلْبَرَاءَةِ مِنَ الْكَدَرِ. وَهُوَ فِي هَذَا الْبَابِ سُقُوطُ التَّلْوِينِ.
أَمَّا الِاسْتِشْهَادُ بِالْآيَةِ: فَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُصْطَفَى مُفْتَعَلٌ مِنَ الصَّفْوَةِ. وَهِيَ خُلَاصَةُ