للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَدَمُ اسْتِقَامَتِهَا عَلَى مَطْلُوبِهَا الْحَقَّ: أَيْضًا مِنْ فَقْرِهَا. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِدَةٍ لِلَّهِ. إِذْ لَوْ وَجَدَتْهُ لَاسْتَقَامَتْ عَلَى السَّيْرِ إِلَيْهِ. وَلَقَطَعَتْ تَعَلُّقَاتِها وَحُظُوظَهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَلَمَا أَرَادَتْ بِعَمَلِهَا غَيْرَهُ.

فَلَا تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ إِلَّا لِمَنْ قَدْ ظَفِرَ بِنَفْسِهِ، وَوَجَدَ مَطْلُوبَهُ. وَمَا لَمْ يَجِدْ رَبَّهُ تَعَالَى فَلَا اسْتِقَامَةَ لَهُ. وَلَا سَلَامَةَ لَهَا مِنَ الْحُظُوظِ. وَلَا بَرَاءَةَ لَهَا مِنَ الرِّيَاءِ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الْغِنَى بِالْحَقِّ]

فَصْلٌ

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: الْغِنَى بِالْحَقِّ. وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ. الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: شُهُودُ ذِكْرِهِ إِيَّاكَ. وَالثَّانِيَةُ: دَوَامُ مَطَالَعَةِ أَوَّلِيَّتِهِ. وَالثَّالِثَةُ: الْفَوْزُ بِوُجُودِهِ.

أَمَّا شُهُودُ ذِكْرِهِ إِيَّاكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

وَأَمَّا مُطَالَعَةُ أَوَّلِيَّتِهِ فَهُوَ سَبْقُهُ لِلْأَشْيَاءِ جَمِيعًا. فَهُوَ الْأَوَّلُ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ.

قَالَ بَعْضُهُمْ. مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَبْلَهُ.

فَإِنْ قُلْتَ: وَأَيُّ غِنًى يَحْصُلُ لِلْقَلْبِ مِنْ مُطَالَعَةِ أَوَّلِيَّةِ الرَّبِّ، وَسَبْقِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا حَاصِلٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، فَمَا وَجْهُ الْغِنَى الْحَاصِلِ بِهِ؟

قُلْتُ: إِذَا شَهِدَ الْقَلْبُ سَبْقَهُ لِلْأَسْبَابِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي حَيِّزِ الْعَدَمِ. وَهُوَ الَّذِي كَسَاهَا حُلَّةَ الْوُجُودِ، فَهِيَ مَعْدُومَةٌ بِالذَّاتِ. فَقِيرَةٌ إِلَيْهِ بِالذَّاتِ. وَهُوَ الْمَوْجُودُ بِذَاتِهِ. وَالْغَنِيُّ بِذَاتِهِ لَا بِغَيْرِهِ. فَلَيْسَ الْغِنَى فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا بِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا لَهُ. فَالْغِنَى بِغَيْرِهِ: عَيْنُ الْفَقْرِ. فَإِنَّهُ غِنًى بِمَعْدُومٍ فَقِيرٍ. وَفَقِيرٌ كَيْفَ يَسْتَغْنِي بِفَقِيرٍ مِثْلِهِ؟

وَأَمَّا الْفَوْزُ بِوُجُودِهِ فَإِشَارَةُ الْقَوْمِ كُلِّهِمْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَهُوَ نِهَايَةُ سَفَرِهِمْ. وَفِي الْأَثَرِ الْإِلَهِيِّ: ابْنَ آدَمَ، اطْلُبْنِي تَجِدْنِي، فَإِنْ وَجَدَتْنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ. وَإِنْ فُتُّكَ فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ. وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَعْنَى وَجُودِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْفَوْزَ بِهِ: فَلْيَحْثُ عَلَى رَأْسِهِ الرَّمَادَ. وَلْيَبْكِ عَلَى نَفْسِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>