للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا كَانَ مَرْكُوبُهُ فِي مَسْرَاهُ يَسْبِقُ خَطْوَهُ الطَّرْفَ. فَيَضَعُ قَدَمَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، مُشَاكِلًا لِحَالِ رَاكِبِهِ، وَبُعْدِ شَأْوِهِ، الَّذِي سَبَقَ الْعَالَمَ أَجْمَعَ فِي سَيْرِهِ، فَكَانَ قَدَمُ الْبُرَاقِ لَا يَخْتَلِفُ عَنْ مَوْضِعِ نَظَرِهِ. كَمَا كَانَ قَدَمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ مَحَلِّ مَعْرِفَتِهِ.

فَلَمْ يَزَلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَفَارَةِ كَمَالِ أَدَبِهِ مَعَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَتَكْمِيلِ مَرَاتِبِ عُبُودِيَّتِهِ لَهُ، حَتَّى خَرَقَ حُجُبَ السَّمَاوَاتِ، وَجَاوَزَ السَّبْعَ الطِّبَاقَ. وَجَاوَزَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى. وَوَصَلَ إِلَى مَحَلٍّ مِنَ الْقُرْبِ سَبَقَ بِهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ. فَانْصَبَّتْ إِلَيْهِ هُنَاكَ أَقْسَامُ الْقُرْبِ انْصِبَابًا. وَانْقَشَعَتْ عَنْهُ سَحَائِبُ الْحُجُبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حِجَابًا حِجَابًا. وَأُقِيمَ مَقَامًا غَبَطَهُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ. فَإِذَا كَانَ فِي الْمَعَادِ أُقِيمَ مَقَامًا مِنَ الْقُرْبِ ثَانِيًا، يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. وَاسْتَقَامَ هُنَاكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ مِنْ كَمَالِ أَدَبِهِ مَعَ اللَّهِ، مَا زَاغَ الْبَصَرُ عَنْهُ وَمَا طَغَى. فَأَقَامَهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ عَلَى أَقْوَمَ صِرَاطٍ مِنَ الْحَقِّ وَالْهُدَى. وَأَقْسَمَ بِكَلَامِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، فَقَالَ تَعَالَى: {يس - وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ - إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ - عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس: ١ - ٤] فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْمَعَادِ أَقَامَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَسْأَلُهُ السَّلَامَةَ لِأَتْبَاعِهِ وَأَهْلِ سُنَّتِهِ، حَتَّى يَجُوزُوهُ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

[فَصْلٌ الْأَدَبُ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ]

فَصْلٌ

وَالْأَدَبُ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ. فَإِنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنَ الْأَدَبِ. وَالْوُضُوءَ وَغُسْلَ الْجَنَابَةِ مِنَ الْأَدَبِ. وَالتَّطَهُّرَ مِنَ الْخُبْثِ مِنَ الْأَدَبِ. حَتَّى يَقِفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ طَاهِرًا. وَلِهَذَا كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَجَمَّلَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ. لِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ.

وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: أَمَرَ اللَّهُ بِقَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَهُوَ أَخْذُ الزِّينَةِ. فَقَالَ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] فَعَلَّقَ الْأَمْرَ بِأَخْذِ الزِّينَةِ، لَا بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، إِيذَانًا بِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي لَهُ: أَنْ يَلْبَسَ أَزْيَنَ ثِيَابِهِ، وَأَجْمَلَهَا فِي الصَّلَاةِ.

وَكَانَ لِبَعْضِ السَّلَفِ حُلَّةٌ بِمَبْلَغٍ عَظِيمٍ مِنَ الْمَالِ. وَكَانَ يَلْبَسُهَا وَقْتَ الصَّلَاةِ. وَيَقُولُ: رَبِّي أَحَقُّ مَنْ تَجَمَّلْتُ لَهُ فِي صَلَاتِي.

وَمَعْلُومٌ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ. لَاسِيَّمَا إِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>