فَالْمُؤْمِنُ: جَمَعَ إِحْسَانًا فِي مَخَافَةٍ وَسُوءَ ظَنٍّ بِنَفْسِهِ. وَالْمَغْرُورُ: حَسَنُ الظَّنِّ بِنَفْسِهِ مَعَ إِسَاءَتِهِ.
الثَّانِي: تَوْفِيرُ الْجُهْدِ بِاحْتِمَائِهِ مِنَ الشُّهُودِ، أَيْ يَأْتِي بِجُهْدِ الطَّاقَةِ فِي تَصْحِيحِ الْعَمَلِ، مُحْتَمِيًا عَنْ شُهُودِهِ مِنْكَ وَبِكَ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَحْتَمِيَ بِنُورِ التَّوْفِيقِ الَّذِي يُنَوِّرُ اللَّهُ بِهِ بَصِيرَةَ الْعَبْدِ. فَتَرَى فِي ضَوْءِ ذَلِكَ النُّورِ أَنَّ عَمَلَكَ مِنْ عَيْنِ جُودِهِ لَا بِكَ، وَلَا مِنْكَ.
فَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الدَّرَجَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَمَلٌ، وَاجْتِهَادٌ فِيهِ، وَخَجَلٌ، وَحَيَاءٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَصِيَانَةٌ عَنْ شُهُودِهِ مِنْكَ، وَرُؤْيَتُهُ مِنْ عَيْنِ جُودِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمِنْهُ.
[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ بِالْخَلَاصِ مِنَ الْعَمَلِ]
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ بِالْخَلَاصِ مِنَ الْعَمَلِ، تَدَعُهُ يَسِيرُ سَيْرَ الْعِلْمِ. وَتَسِيرُ أَنْتَ مُشَاهِدًا لِلْحُكْمِ، حُرًّا مِنْ رِقِّ الرَّسْمِ.
قَدْ فَسَّرَ الشَّيْخُ مُرَادَهُ بِإِخْلَاصِ الْعَمَلِ مِنَ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ: تَدَعُهُ يَسِيرُ سَيْرَ الْعِلْمِ وَتَسِيرُ أَنْتَ مُشَاهِدًا لِلْحُكْمِ.
وَمَعْنَى كَلَامِهِ: أَنَّكَ تَجْعَلُ عَمَلَكَ تَابِعًا لِعِلْمٍ، مُوَافِقًا لَهُ، مُؤْتَمًّا بِهِ. تَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَتَقِفُ بِوُقُوفِهِ، وَتَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ. نَازِلًا مَنَازِلَهُ، مُرْتَوِيًا مِنْ مَوَارِدِهِ، نَاظِرًا إِلَى الْحُكْمِ الدِّينِيِّ الْأَمْرِيِّ، مُتَقَيِّدًا بِهِ، فِعْلًا وَتَرْكًا، وَطَلَبًا وَهَرَبًا. نَاظِرًا إِلَى تَرَتُّبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَيْهِ سَبَبًا وَكَسْبًا. وَمَعَ ذَلِكَ فَتَسِيرُ أَنْتَ بِقَلْبِكَ، مُشَاهِدًا لِلْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ الْقَضَائِيِّ، الَّذِي تَنْطَوِي فِيهِ الْأَسْبَابُ وَالْمُسَبَّبَاتُ، وَالْحَرَكَاتُ وَالسَّكَنَاتُ. وَلَا يَبْقَى هُنَاكَ غَيْرُ مَحْضِ الْمَشِيئَةِ، وَتَفَرُّدِ الرَّبِّ وَحْدَهُ بِالْأَفْعَالِ، وَمَصْدَرِهَا عَنْ إِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ. فَيَكُونُ قَائِمًا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِعْلًا وَتَرْكًا، سَائِرًا بِسَيْرِهِ، وَبِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، إِيمَانًا وَشُهُودًا وَحَقِيقَةً. فَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى الْحَقِيقَةِ. قَائِمٌ بِالشَّرِيعَةِ.
وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ هُمَا عُبُودِيَّةُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨ - ٢٩] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا - وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: ٢٩ - ٣٠] .
فَتَرْكُ الْعَمَلِ يَسِيرُ سَيْرَ الْعِلْمِ: مَشْهَدُ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: ٢٨] ، وَسَيْرُ صَاحِبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute