فِي جَعْلِ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ فِي هَذِهِ الدَّارِ. فَعَلَى قَدْرِ رَجَائِهِمْ وَخَوْفِهِمْ يَكُونُ فَرَحُهُمْ فِي الْقِيَامَةِ بِحُصُولِ مَرْجُوِّهِمْ وَانْدِفَاعِ مُخَوِّفِهِمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرِيدُ مِنْ عَبْدِهِ تَكْمِيلَ مَرَاتِبَ عُبُودِيَّتِهِ مِنَ الذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ، وَالتَّوَكُّلِ وَالِاسْتِعَانَةِ، وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ، وَالرِّضَا وَالْإِنَابَةِ وَغَيْرِهَا. وَلِهَذَا قَدَّرَ عَلَيْهِ الذَّنْبَ وَابْتَلَاهُ بِهِ، لِتَكْمُلَ مَرَاتِبُ عُبُودِيَّتِهِ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَحَبِّ عُبُودِيَّاتِ عَبْدِهِ إِلَيْهِ، فَكَذَلِكَ تَكْمِيلُهَا بِالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ فِي الرَّجَاءِ - مِنَ الِانْتِظَارِ وَالتَّرَقُّبِ وَالتَّوَقُّعِ لِفَضْلِ اللَّهِ - مَا يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِذِكْرِهِ وَدَوَامِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ بِمُلَاحَظَةِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَتَنَقُّلَ الْقَلْبِ فِي رِيَاضِهَا الْأَنِيقَةِ، وَأَخْذَهُ بِنَصِيبِهِ مِنْ كُلِّ اسْمِ وَصْفَةٍ - كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ - فَإِذَا فَنَى عَنْ ذَلِكَ وَعَابَ عَنْهُ، فَاتَهُ حَظُّهُ وَنَصِيبُهُ مِنْ مَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
إِلَى فَوَائِدَ أُخْرَى كَثِيرَةٍ. يُطَالِعُهَا مَنْ أَحْسَنَ تَأَمُّلَهُ وَتَفَكُّرَهُ فِي اسْتِخْرَاجِهَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَاللَّهُ يَشْكُرُ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ سَعْيَهُ، وَيُعْلِي دَرَجَتَهُ. وَيَجْزِيهِ أَفْضَلَ جَزَائِهِ. وَيَجْمَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي مَحَلِّ كَرَامَتِهِ. فَلَوْ وَجَدَ مُرِيدُهُ سِعَةً وَفُسْحَةً فِي تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ وَاعْتِرَاضِ كَلَامِهِ لَمَا فَعَلَ. كَيْفَ وَقَدْ نَفَعَهُ اللَّهُ بِكَلَامِهِ؟ وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَجْلِسَ التِّلْمِيذِ مِنْ أُسْتَاذِهِ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ كَانَ عَلَى يَدَيْهِ فَتْحُهُ يَقَظَةً وَمَنَامًا؟
وَهَذَا غَايَةُ جُهْدِ الْمُقِلِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ عِلْمٍ فَلْيَجُدْ بِهِ، أَوْ فَلْيَعْذُرْ، وَلَا يُبَادِرُ إِلَى الْإِنْكَارِ. فَكَمْ بَيْنَ الْهُدْهُدِ وَنَبِيِّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ؟ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: ٢٢] وَلَيْسَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَعْلَمَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ. وَلَا الْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِأَجْهَلَ مِنْ هُدْهُدٍ. وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ وَهُوَ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الرَّجَاءِ]
[الدَّرَجَةُ الْأُولَى رَجَاءٌ يَبْعَثُ الْعَامِلَ عَلَى الِاجْتِهَادِ]
فَصْلٌ
قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ ":
الرَّجَاءُ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: الدَّرَجَةُ الْأُولَى: رَجَاءٌ يَبْعَثُ الْعَامِلَ عَلَى الِاجْتِهَادِ. وَيُوَلِّدُ التَّلَذُّذَ بِالْخِدْمَةِ، وَيُوقِظُ الطِّبَاعَ لِلسَّمَاحَةِ بِتَرْكِ الْمَنَاهِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute